152

Рассказы Исы ибн Хишама

حديث عيسى بن هشام

Жанры

2

ولو سلمنا أن صاحب المنصب سلم من المعاطب ونجا من الخطوب، فهو لا يزال طول حياته في هم ونصب كلما ارتقى في المنصب درجة، وجد فوقها درجة أخرى يحسد من يليها، ويحقد على من يعتليها، ولا يفتأ مستعظما لما فوقه طامعا فيه مستصغرا لما في يده راغبا عنه، فهو في ذهول دائم عن التمتع بلذة الحياة التي يجري وراءها غير راض عن نفسه، ولا الناس عنه راضون، وهذا هو منتهى الشقاء والبلاء وملتقى الكمد والكدر.

ذلك الخائب الشقي وإن كا

ن يرى أنه من السعداء

يحسب الحظ كله في يديه

وهو منه على مدى الجوزاء

وأخلق بمن كان همه أبدا التطلع إلى غير ما في يده أن يكون أنحس البرية حالا وأمضهم عيشا، ولذلك زهد الراسخون في العلم من الفلاسفة والحكماء في اعتلاء المناصب، ورغبوا عن اغتراب غاربها، وحذروا العقلاء من السعي وراءها وشغل النفس بها، هذا كله إذا كان المنصب عظيم الجاه نافذ الأمر، وكان الوصول إليه من طريق الفضيلة والشرف، والحصول عليه من باب الجدارة والاستحقاق، فأما والطريق إلى المناصب كما نراه اليوم قاصر على التوسل والتوسط وإهراق ماء الحياء، والمنصب على ما تعلم لا أمر فيه ولا نهي، ولا حل ولا عقد، فالفرار منه أجدر بطالب الجاه وأحرى، والتباعد عنه أشرف بذي الفضل وأسنى، والنزول عنه نعم المنصب العالي، لطلاب المعالي.

والقسم الثالث :

الرغبة في المنصب لشغل النفس دون سواه دفعا للسأم والملل وتضييعا لأوقات الحياة وساعات العمر في الاشتغال بحاجات الناس، والتلهي بها عن تهذيب النفس، ولا يدخل في هذا القسم إلا من كان فارغ الفؤاد خاوي الصدر خاليا من كل أدب وفضل مشغول الضمير بالوساوس والهواجس، فأكره شيء لديه نفسه وأثقل حمل عليه حياته، ولا بد له من مشاغل متجددة ومسائل متعددة تشغله عن الخلوة بنفسه التي صارت عنده إذا هو خلا بها لحظة كأنها خلية من خلايا الزنابير أو وكر من وكور الأفاعي، وهيهات أن يبلغ المسكين غرضه يوما؛ لأن من ضاقت عليه نفسه كان العالم عليه أضيق، ومن ثقلت عليه أخلاقه فالخليقة عليه أثقل.

والقسم الرابع:

Неизвестная страница