فهذا الإلحاح على مسألة التساوي لا يقل في سخفه وهزله عن ذلك الرأي الذي ذهب إليه عالم من علماء الطبيعة وهو لا يمزح ولا يهزل، ولكنه يقول جادا: إن اتساع الهوة بين إدراك الرجل والمرأة يرجح لديه أنها أنثى حيوان آخر لجأ الإنسان إلى اغتصابها في غابر العصور على أثر آفة جائحة ألمت بالإناث الإنسانية فانقرضت وهي في بقعة محدودة من الأرض، قبل انتشار الآدميين على وجه العالم المعمور؛ فذلك أقرب التعليلات عنده لهذا التفاوت البعيد بين أسلوب الرجال وأسلوب النساء في الفهم والتصور، فضلا عن القوة العاقلة والبداهة الذهنية!
وفي تخيل هذا العالم غلو يلامس الفكاهة كما أسلفنا، إلا أننا لا نعدو حدود المقررات الفكرية ولا نلامس الفكاهة حين نقول: إن الأنثى الإنسانية ليست هي المقصودة باستقلال الخلقة والتكوين، وإن الغرائز الجنسية تلقي في روعنا أن الرجل هو المقصود باستقلال الخلقة من طريق هذه الغرائز، كما استدللنا على ذلك في بعض فصول كتابنا «المطالعات» فقلنا: «إن المرأة تعشق الرجل لتأتي برجل على مثاله أي لتكرره وتعيد خلقه، ولكن الرجل لا يعشق المرأة ليأتي بامرأة على مثالها ويكررها وإنما يعشقها ليكرر نفسه ويأتي بولد له على مثاله هو من طريق المرأة التي تصلح لذلك في نظره وهواه، والمرأة تعشق لتسليم نفسها في نهاية الأمر فدورها في العشق هو دور التسليم دائما. أما الرجل فيعشق ليظفر بالمرأة فدوره في العشق هو دور الظافر دائما، وليس في مضامين الغرائز الجنسية - وهي أصدق مقياس لما يتناوله الاختلاف من وظائف الجنسين - ما يؤخذ منه أن المرأة أعظم من الرجل شأنا أو أنها مقدمة عليه في مقصد من مقاصد الطبيعة.»
تناقض المرأة
كتب تولستوي الأديب الروسي الكبير في يومياته بتاريخ الثالث من شهر أغسطس سنة 1898: «إن المرأة لأداة الشيطان، إنها غبية في جملة حالاتها، ولكن الشيطان يعيرها دماغه حين تعمل في طاعته . انظر إليها فهي تأتي بالمعجزات من التدبير والنظر البعيد والمثابرة لتفضي من ثم إلى عمل خبيث، ولكنك تنظر إليها حين يطلب منها عمل غير خبيث فإذا هي عاجزة عن فهم أصغر الأمور لا تنظر إلى ما وراء لحظتها الحاضرة ولا ترى لها من عزيمة ولا جلد.» •••
والذي قاله تولستوي عن تناقض المرأة في التدبير يقال كثيرا عن تناقضها في الفهم والشعور: تخلص ثم تخون، وتشتد في الحب ثم تشتد في الكراهية، وتقول لا وهي تعني نعم وهي لا تعني ما تقول، وتصبر على التضحية بالراحة والعافية ولا تصبر على خسارة دريهمات، ولا تزال تنتظر منها شيئا وتفجؤك بغير ما تنتظر، وتحسب عندها حسابا وتلقاك بما لم يكن لك في حساب.
وبعض هذا التناقض في طبيعة الناس من الإناث كانوا أم من الذكور، وفي الشئون الجنسية يعرض لنا أم في غير هذه الشئون.
لكن التناقض - بعد هذا - خلة لا مناص منها في تكوين المرأة خاصة؛ لأنها خلة ملازمة للأنوثة في ألزم لوازمها، وهما الأمومة والحب بشتى معانيه.
فاللذة والألم نقيضان في الكائن الحي على الإجمال، ولكنهما يمشيان معا في إحساس المرأة فتجمع بينهما اضطرارا من حيث تريد ومن حيث لا تريد.
أسعد ساعات المرأة هي الساعة التي تتحقق فيها أنوثتها الخالدة وأمومتها المشتهاة، وتلك ساعة الولادة.
في تلك الساعة يغمرها فرح لا يوصف إذ هي تنجب ذلك المخلوق الحي الذي صبرت على حمله حتى أسلمته إلى الدنيا راضية مرضية، ولكنها مع هذا هي أشد ساعات الآلام والأوجاع في جسد الأم الطريح بين الموت والحياة.
Неизвестная страница