وهذا هو الفرق بين القيود الذميمة والأوزان المستحبة: القيود تقضي على الحرية، والأوزان تبرزها في صورتها التي تعزز المشيئة والاختيار.
وهذا أيضا هو الفرق بين الحرية والفوضى؛ لأن الفوضى حركة لا غاية لها ولا مشيئة، ومن ثم لا حرية لها ولا معنى.
ولا تعريف - من ثم - للجمال أقرب من تعريفه بأنه هو كل ما يملي للنفس في الشعور بالحرية الموزونة، وكل ما يجنبها الشعور بالفوضى أو الشعور بالامتناع والتقييد. •••
قيل: إن الجمال هو التناسب، وهو قول صحيح ولكنه يحتاج إلى قول صحيح آخر يتمه وينتقل به خطوة أخرى إلى طريق الصواب.
فالجمال يوجد مع التناسب كما يوجد في غير التناسب، والجامع بين الجمالين هو حرية الحركة في كلتا الحالتين.
لا تناسب في كلب الصيد الأعجف المعقوف الهزيل، ولكنه يعطينا الحركة الخفيفة الموزونة في تركيبه هذا فهو جميل.
ولا تناسب في شكل الزرافة بالقياس إلى غيرها من الحيوان، ولكنك إذا تصورتها كالحصان أو كالأسد تصورت عائقا لها عن تدبير أمرها وتناول طعامها من فوق رأسها ومن تحت قدميها، وهذا العائق يناقض شعور الجمال، فإذا زال لم يكن بينك وبين الشعور بجمال الزرافة عائق من المقابلة بين شكلها وأشكال غيرها من الحيوان.
وهنا قد يسأل السائل: هل معنى ذلك أن الجمال هو أداء وظائف الأعضاء؟
والجواب لا، ليس الجمال هو أداء وظائف الأعضاء، ولكن وظائف الأعضاء في الجسم الحي كالوزن في القصيدة وكالحبل تحت قدمي اللاعب وكالألحان في الغناء، فهي التي تقيم لنا الفارق بين الحرية والفوضى، وهي المعيار الذي نعرف به حرية الحياة في الانتقاء والتوفيق بينها وبين ما تبغيه.
فلولا وظائف الأعضاء لكانت الحياة حركة فوضى لا غاية لها ولا حرية فيها.
Неизвестная страница