المشير (وقد رأى في معرفة هذه الأسطورة مفتاحا عله يساعده على فتح أبواب ما أغلق عليه من أسباب ذهول الملك وهمه) :
وهل يتفضل مولاي الملك، فيجيز لي التأمل في مغازي أسطورة ذلك الحكيم؟
الملك :
إنها الحكمة، لبست لباس الأسطورة والخرافة، إنها من الحكم الخالدة، فاستمع لما رواه أستاذنا الشيخ عن الأقدمين :
كان في بلاد الهند قديما ساحر عظيم، اشتهر بالعلم والحكمة وسمو المدارك، وبلغ في مقدرة نفسه أنه كان يفهم لغات الحيوان، ويستطيع قلب الأعيان، فينقل الإنسان لصورة الحيوان والحيوان لصورة الإنسان، وما كان يعجزه أن يجعل النبات أو الحجر حيوانا أو إنسانا، ولا أن يعكس، ولا أدري لم اختص القدم بهؤلاء السحرة الأفذاذ.
رأى ذلك الساحر يوما فأرة، أهزلها حزن شديد دائم، وفي استجوابها علم أنها تخاف من الهرة، فأشفق عليها، وحولها إلى هرة عظيمة تهابها الهرر والهررة.
مر الساحر بتلك الهرة - الفأرة - واستغرب أن يجدها في حزنها وهلعها؛ لأنها أصبحت تخاف من الكلب، فعزم عليها، وحولها إلى كلب كبير كاسر تخشاه سائر الكلاب.
ولكنه عاد في اليوم الثاني فوجد ذلك الكلب - الفأرة - في حزن وجزع ورعب، إنها أصبحت تخاف من الضبع، فأقسم عليها فانقلبت ضبعا مفترسا تفر من هيبتها السباع.
ولكن أخذته الدهشة في اليوم التالي إذ رأى تلك الضبع - الفأرة - في حزنها وجزعها ورعبها؛ لأنها أصبحت تخاف من الصياد، فسخط، ثم التفت إلى تلك الضبع، وعزم وأقسم، ثم قال: ارجعي إلى أصلك، فإنني لا أستطيع أن أعمل شيئا في إبادة الخوف من نفسك ما دمت لا تحملين إلا قلب فأرة.
هنا تنتهي الأسطورة، وإنني لأتأمل في اللئيم تحسن إليه ويظل اللؤم مسيطرا على نفسه وكيانه، وأفكر في أبناء الحرام لا يمكن أن تصدر عنهم أعمال أبناء الحلال مهما تعلموا ومهما رفعت من مقامهم.
Неизвестная страница