وننظر بعد هذا في لغة الحياة اليومية، فنجد أنها في هذه الثلاثة المشهورة من تلك الأسماء «أب، أخ، حم» تنطق الأولين منهما بالواو دائما، وتجعل الحم مقصورا بالألف دائما، فلا نجد هذا الصنيع كله غريبا على العربية، إذ ينقل لنا من قراءات القرآن: «تبت يدا أبو لهب»،
18
ويقول الزمخشري : «كما قيل: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع.» وكل قراءة حجة كما سمعنا. وابن قتيبة كما يلخص قوله ابن مطرف في كتابه «القرطين» (1: 185) يقول في هذه القراءة: «فكأنه حين كني به قيل: أبو طالب، ثم ترك كهيئته وجعل الاسمان واحدا.» والكنية كما نعرف قد تصدر بأخ كما تصدر بأب،
19
فللمسألة أصل ثابت يجعلني أجرؤ على فرض أن ما ننطقه اليوم في لغة الحياة له أصل عربي، وربما يرجح هذا أن الشافعي قد أعاد تصنيف «الرسالة» بمصر، وهذه النسخة هي التي بقيت بأيدي الناس،
20
أملاها بمصر على تلميذه الربيع بن سليمان المرادي، الذي ترك نسخة بخطه كما أيقن ناشرها.
21
وفي هذه النسخة المصرية التأليف والإملاء يورد الشافعي «أبو» بالواو في موضع الجر، فيقول: «عن سالم أبو النضر» (ويشير الناشر الفاضل في الهامش إلى ما سبق من قراءة «تبت يدا أبو لهب»، ومن قول ابن قتيبة ... إلخ).
ومن هنا نستطيع أن نرجح أن إلزام أب وأخ الواو في عاميتنا له أصل عربي، وقد قرئ به في القرآن، وكتب به في مصر علم ... وأما الحم فقد قصرت بالألف دائما، وهي اللغة المعروفة في حياتنا، فهل تتوسعون فتجيزون في تلك الأسماء ما جاز في الكنية، فتبقونها بالواو دائما في أب وأخ؟! أو لا ترون هذا التيسير فترفضون هذا التوسع؟! لكم ما تشاءون حين يجد بكم الجد في هذا التيسير العملي، وهو غير بعيد؛ لأنه لون من القياس الذي أسس النحاة عليه نحوهم، وهم في هذا الباب نفسه مثلا قد جاءهم نقلا تثنية أب على أبان، فقاسوا على هذا المسموع تثنية أخ على أخان، وقالوا ينبغي أن يكون حمان كذلك.
Неизвестная страница