11
التي ألفها، بأنها: «البحث في تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة - كما سماها التبسيط الجديد - وطلب الأسس التي تشير اللجنة بوضع قواعد النحو والصرف عليها، وقد أعدت اللجنة تقريرها في ذلك، وطبعته الوزارة وأذاعته.»
ومما نحمده لهذه اللجنة أنها تمثلت حاجة الأمة اللغوية تمثلا واضحا؛ إذ قالت: «ولن تكون اللغة العربية الفصحى، لغة حية خصبة حقا، إلا إذا شاعت بين الناس على اختلاف طبقاتهم وأصبحت أداة يصطنعونها لتأدية أغراضهم المختلفة في يسر وإسماح، وفي غير مشقة وجهد» (ص42، س7، 8).
وثاني ما نحمد لها أيضا اهتمامها بالعامل الاجتماعي الذي يزيد من صعوبة تعلم العربية واستعمالها على الوجه الذي رأته اللجنة؛ إذ قالت: «... لأن الشباب لا يتعلمون هذه اللغة كما يتعلم الشباب في الأمم الأخرى لغتهم، هم لا يسمعونها في البيت، وهم لا يسمعونها في البيئة التي تحيط بهم، ثم هم لا يسمعونها في المدرسة إلا أثناء درس اللغة العربية» (ص2، س20). وحين قالت: «... ويجب أن نلاحظ أن الشاب الإنجليزي أو الفرنسي إنما يحسن لغته، ويتقن النطق بها والتصرف فيها لأنه يسمعها صحيحة في البيت وخارج البيت، ويسمعها صحيحة في المدرسة بنوع خاص، فقد تتأثر لغة البيت ولغة الشارع ببعض اللهجات العامية، وقد يكون لهذا تأثير في لغة التلميذ، ولكن المحقق أن اللغة الصحيحة وحدها هي المسيطرة على التعليم الحديث داخل المدرسة؛ والشاب الفرنسي أو الإنجليزي لا يسمع اللغة الصحيحة في درس اللغة الفرنسية أو الإنجليزية فحسب، ولكنه يسمعها في درس التاريخ والجغرافيا، وفي درس الطبيعة والكيمياء، وفي درس الرياضة أيضا» (ص3، س17 وما بعده).
ومن «تقدير اللجنة للعامل الاجتماعي» في صعوبة تعلم اللغة العربية واستعمالها، ما أشارت إليه كذلك من مزاحمة اللغات الأجنبية للغة الوطنية، في عقول الصبية وأذواقهم وذاكرتهم، وما رأته من أن التعليم الابتدائي يجب أن يخلص للغة الوطنية، فلا يسمع الصبي في المدرسة الابتدائية غيرها (ص4، س3 وما بعده) ... كما قررت أهمية الاعتبار الاجتماعي في حياة اللغة الوطنية بقولها كذلك: «ولنسجل أننا على إكبارنا لخطر النحو والبلاغة لا نغتر بأثر هذا التيسير، ولا نراه السبيل الوحيد إلى إحياء لغة وإشاعتها، وتمكين التلاميذ من أن يمنحوها ما ينبغي أن تمنح اللغة الوطنية من الحب لها والإقبال عليها، وإنما هو سبيل من هذه السبل، يجب أن نأخذ بأسبابه، ولكن يجب ألا نكتفي به ونقصر جهدنا عليه» (ص5، س11 وما بعده). «والحق» أن لهذا العامل الاجتماعي دائما خطره في اللغة العربية وعلى اللغة العربية أيضا طوال حياتها، كما هو الشأن الاجتماعي للغات في الحياة دائما، ومن هنا ما أشرت إليه قريبا من ضرورة بحث أثر هذا العامل في حياة علوم العربية ومناهجها، ولكن هذا العامل الاجتماعي مهما يكن خطره في الإقبال على تعلم الفصحى والنشاط لاستعمالها، قد كان له منذ القدم أثر أشد خطرا في أبناء العربية نفسها، وقد خلف فيها صعوبات ذاتية، هي التي نحاول تذليلها اليوم تذليلا عمليا، مع تقديرنا أن الاهتمام الاجتماعي بهذه اللغة في الحياة مؤثر كبير جدا في التغلب على هذه الصعوبات، إذا خف ما بها من تعقد جوهري، وصعوبات أساسية سنصفها فيما بعد. •••
والآن وقد حمدنا من نظرات أصحاب هذا التيسير ما حمدنا، ننظر فيما وراء ذلك منه فنرى:
أن أصحابه يقولون: «وقد شرط علينا القرار الوزاري، وشرطنا نحن على أنفسنا ألا ينتهي بنا حب التيسير إلى أن «نمس من قريب أو بعيد أصلا من أصول اللغة أو شكلا من أشكالها»» (ص5، س15). فنقول لهم: هبوا أن القرار الوزاري - لاعتبار سياسي أو نحوه - قد شرط عليكم ألا يمس التيسير والتبسيط «أصلا من أصول» اللغة ولا شكلا من أشكال الإعراب والتصريف. كما قال: فهل ترونكم - وأنتم المكابدون المعانون لهذه الآلام - تنزلون على ذلك وتلتزمونه؟! لقد أثرتم الناحية الاجتماعية وما إليها، وأفسحتم لها من صفحات تقريركم ما يزيد عن ثلثه، ثم قلتم: «وقد أطلنا في هذه الأشياء، مع أنها ليست من جوهر المهمة التي كلفنا النهوض بها، لنشير بما نرى أنه الخير من جهة ... إلخ» (ص5، س9، 10). فكنتم بالقياس على هذا، بل بالإخلاص للعمل الذي أنتم أهله الأولون، خلقاء بأن تشيروا بما فيه الخير من عدم التحرج من المساس بشكل من أشكال الإعراب والتصريف، ومن وجوب النظر في الأصول نفسها لعل فيها ما ينتفع به دون مساس ولا تغيير! بل كنتم - فيما أومن به - خلقاء بأن تشيروا أن المسألة من الأهمية والخطر الاجتماعي، بحيث تحتاج إلى النظر المستأنف في هذه الأصول نفسها، لكنكم فعلتم عكس ذلك، فحين شرط عليكم الإقرار ألا تمسوا فقط، زدتم أنتم فقلتم: وشرطنا نحن على أنفسنا «ألا نمس من قريب أو بعيد ...» ذلك ما لا أرتاح إليه من حذركم ولا ألتزمه إن شاء الله، وإن كنت مستغنيا فعلا عن المساس؛ لأنا لا نعرف لهذا النحو تلك القدسية، وليس عنا يعرفها الناس له! على أنا سنرى فيما يلي أن اللجنة لم تتهيب هذا المساس بل أقدمت على غير شيء منه، وإن كان أعضاؤها رغم كل شيء قد غلبهم حب الحياة والتجدد، فعدوا عملهم خطوة معتدلة موفقة في هذا التيسير، قد تتاح بعدها خطوات أدنى إلى التوفيق وأقرب إلى الكمال (ص2، س3). •••
وننظر في اقتراحات اللجنة التي رأت أن فيها تيسير النحو، فنرى ما يأتي: (1)
أنها ترى: «وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديري والإعراب المحلي» (ص7)، ولكن: ما التيسير في هذا؟! إن الكلمات التي فيها هذا الإعراب من المقصور والمنقوص والمضاف لياء المتكلم، والمبنيات ليست مصدر الصعوبة على القارئ أو المتكلم، لعدم تغير الحركات عليها باختلاف مواضعها، بل ليت اللغة كانت كلها من هذا الصنف، إذن لزالت الصعوبة الأساسية.
ثم إن بيان هذا الإعراب التقديري والمحلي، بقدر ما يعرف متعلم العربية، أجزاء الجملة لا بد منه لفهم المعنى، كما أنه لا بد من معرفة موقع الإعراب للكلمة التي لم تظهر عليها الحركة ليمكن ضبط تابعها بعدها، فمن يقول: جاء الفتى، لا بد له أن يعرف موضع الفتى من الإعراب ليقال بعد ذلك: الأبيض أو الطويل ... إلخ. ودع عنك فوق هذا ما لا بد منه في فهم معنى بناء الكلمة، من معرفة أنها وقعت في موضع تغيير الآخر بكذا ولم تتغير، فكل الذي يمكن الاستغناء عنه هو الأخذ بالرواسيم والصيغ المتحجرة، في بيان هذا الإعراب التقديري أو المحلي، وتلك مسألة شكلية يكفي فيها أيسر لفت للمعلمين! (2)
Неизвестная страница