Это все: Поэзия Брехта
هذا هو كل شيء: قصائد من برشت
Жанры
ونشر برشت كذلك - إلى جانب ملاحظاته النظرية العديدة عن المسرح الملحمي التي علق بها على أوبرا القروش الثلاثة وأوبرا مهاجوني - مجموعة صغيرة من قصائده تحت عنوان «من كتاب سكان المدن» التي يجد القارئ مختارات منها في هذا الكتاب. وقد استغنى الشاعر في هذه المجموعة عن القافية والإيقاع المنتظم، وغلبت عليه الدقة في الأداء، والموضوعية في التعبير. كما نشر كذلك في سلسلة «المحاولات» قصصه المعروفة «بحكايات السيد كوينر» وكتابا للأطفال تحت عنوان «الجنود الثلاثة» قال برشت عنه إن الغرض منه هو أن يحفز الأطفال على طرح الأسئلة، وهي عبارة تنطبق على كل أعماله التي تستهدف إثارة الدهشة والسخط لدى القارئ والمتفرج، ودفعهما إلى تغيير الواقع الاجتماعي المحيط بهما بالثورة والعنف إذا اقتضى الأمر؛ ولذلك وجهها لجميع الأطفال من سن الثامنة إلى الثمانين.
أقبل عام 1933م وراح هتلر يعد العدة للاستيلاء على السلطة. وبدأت نذر الإرهاب تتلبد في سماء ألمانيا وتنذر بالوقوع على رأس برشت؛ فقد منع تمثيل مسرحية جان دارك في دارمشتات، كما أوقف عرض مسرحية الإجراء في مدينة إيرفورت. وفهم برشت ما تعنيه هذه النذر، فغادر ألمانيا مع زوجته في اليوم السابع والعشرين من شهر فبراير عام 1933م، وكان على طفليه أن يلحقا بهما إلى المنفى.
وتحققت مخاوف برشت من الإرهاب النازي، فقد أحرقت كتبه في الحريق المشهور الذي ألقى فيه النازيون بمؤلفات أكثر من مائتي كاتب وشاعر ألماني اتهموا بالانحلال والتهمتها النيران مع صيحات الجماهير المتحمسة الهاتفة أمام مبنى دار الأوبرا في برلين. وفي اليوم الثامن من شهر يونيو عام 1935م حرم برشت من الجنسية الألمانية وكانت قصيدة «حكاية الجندي الميت» التي كتبها في العشرين من عمره - والمنشورة في هذه المجموعة - هي التي أثارت عليه النازيين، وملأت قلوبهم حقدا عليه.
غادر الشاعر برلين إلى براغ، ومنها إلى زيورخ عن طريق فيينا. وكانت الرحلة الثانية لبرشت (الذي راح يغير بلدا ببلد أكثر مما يغير حذاء بحذاء، كما سيقول فيما بعد في قصيدته عن برشت المسكين) هي جزيرة تيرو في الدانيمارك حيث قضى هناك أوائل الصيف. وفي هذا الصيف نفسه أقام فترة من الوقت في باريس، حيث عرض آخر أعماله التي ظهرت بالتعاون مع الملحن كورت فيل، وهو باليه أنا-أنا، أو الخطايا السبع المميتة، الذي يصور فساد القيم الأخلاقية في مجتمع يسوده الربح والتجارة، وهو الباليه الوحيد الذي كتبه برشت ولم يقدر له النجاح لا في باريس ولا في لندن.
وفي عام 1934م ظهرت في باريس الطبعة الألمانية من مجموعته الشعرية الثانية «أغاني، قصائد، وأناشيد جماعية (كورات)» كما ظهرت رواية القروش الثلاثة في إحدى مطابع اللاجئين في أمستردام، وازدادت نغمة النقد الاجتماعي حدة عما كانت عليه في المسرحية المماثلة وبلغت من السخرية الدامية القاسية درجة تذكرنا بسخريات سويفت. وتصل هذه السخرية القاتلة إلى ذروتها المخيفة في حلم الجندي فيو كومبي الذي يتهم فيه المسيح ويدينه لأنه ضلل الفقراء وأغراهم بالآمال الكاذبة.
وأقام برشت مع أسرته في بيت ريفي في سكوفزيو ستراند (منطقة سفند برج) مطل على شاطئ جزيرة لانجيلاند، يحيط به الأصدقاء الدنمركيون ويعاونونه على الحياة. واتخذ من إسطبل قديم للخيول مزود بمائدة كبيرة مكانا يعمل فيه. وعاش الشاعر في عزلة كاملة عن العالم الخارجي منصرفا بكليته إلى الكتابة والتأليف. وكان من الطبيعي أن يوجه كتاباته ضد النازية، وأن يكشف عن الرعب والإرهاب اللذين عاش الألمان في ظلهما في ذلك العهد القاتم، ويفضح المحنة والتعاسة الروحية المستترة وراء الصخب الذي يثيره هتلر وأعوانه. وكان أن خرجت مسرحيتاه «الرءوس المستديرة والرءوس المدببة» و«رعب الرايخ الثالث وتعاسته»، كما راح يساهم في مكافحة النازية، ويشترك في مظاهرات الاحتجاج عليها، ويسافر إلى باريس ولندن ونيويورك وموسكو، ويلتقي بالمهاجرين من زملائه، ويخطب في المؤتمرات (كما فعل في المؤتمر الدولي للكتاب المنعقد في باريس في يونيه 1935م) ويشرف على إخراج مسرحياته، ويلقي أشعاره الساخرة من إذاعة ألمانيا الحرة، ويساهم في تحرير الكثير من المجلات التي أسسها المهاجرون في عواصم العالم التي ظلت بعيدة عن قبضة النازيين (وبالأخص مجلة «الكلمة» التي كان يصدرها مع ليون فويشتفانجر) وينشر مؤلفه الهام «خمس صعوبات عند كتابة الحقيقة». وفي هذه الفترة توقف برشت عن كتابة مسرحياته التعليمية؛ ربما لأنه تبين قصورها عن تحقيق أهدافه من المسرح الملحمي الذي كان دائم التفكير فيه، وراح تحت وطأة الظروف التي يعيشها يؤلف مسرحيات كفاحية تقترب كثيرا من النزعة الطبيعية التقليدية (من ذلك مسرحية «رعب الرايخ الثالث وتعاسته»، ومسرحية «بنادق الأم كارار» التي تكاد تسير على التقاليد الأرسطية الخالصة). ويضع مقاله الهام «مسرح التسلية أم مسرح التعليم» (1936م) الذي يقيم فيه مسرحه الجدلي أو «غير الأرسطي» على ما يسميه بالإغراب الذي يجعل الممثل «يعرض» دوره على المتفرجين بدلا من الاندماج فيه، ويحفزهم على الاندهاش من الواقع الذي يصوره لهم ويدفعهم إلى نقده والثورة عليه. أضف إلى ذلك أن زيارته لموسكو في عام 1935م كان لها أكبر الأثر على تطوره المسرحي، وزادت اقتناعه بآرائه في المسرح الملحمي، وعملت على تأكيدها وتعميقها؛ إذ أتيح له أن يتعرف على المسرح الصيني، ويلتقي بالممثل ماي لان فانج الذي كان يمثل في موسكو في ذلك الحين، ويرى فيه المثل الأعلى للتمثيل الملحمي الذي يبتعد فيه الممثل عن دوره وينفصل عنه.
وهكذا كتب مقاله «آثار الإغراب في فن التمثيل الصيني» (1937م) الذي كان مقدمة لسلسلة من الكتابات النظرية التي راح فيها يدعم نظرياته عن المسرح الملحمي ويطبقها على مشاهد من مسرحياته، ونذكر من تلك الكتابات «المسرح التجريبي» (1939م)، و«مشهد في الشارع»، و«وصف موجز لتكنيك جديد في فن التمثيل، يحدث أثر الإبعاد أو الإغراب» ويتوجها جميعا مؤلفه الهام «الأورجانون الصغير للمسرح» (1948م).
تأثر برشت في هذه السنوات كلها بعالم الشرق الأقصى ونهل من نبع الحكمة الصينية، وعاش مع أفكار بوذا ولاوتزو وكونفوشيوس، وترك ذلك كله أثره على قصائده ومسرحياته من ناحيتي الموضوع والشكل معا. فها هي ذي الحكمة الشرقية بكل ما فيها من محبة وطيبة وتواضع وإحسان ومقاومة للشر والبطش تظهر في كثير من أعماله، وها هو ذا يترجم قصائد صينية ينشرها في عام 1938م (ويجد القارئ بعضها في هذه المختارات) ويؤلف في عام 1939م قصيدته المشهورة «حكاية عن نشأة كتاب تاوتي كنج الذي ألفه الحكيم لاوترو وهو في طريقه إلى المنفى».
زاد خطر الحرب، واشتد الزحف النازي على البلاد المجاورة، وانتقل برشت إلى السويد في أبريل 1939م، واشترك في مؤتمر للمهاجرين الأحرار عقد في لندن في نفس العام، والتقى فيه بكثير من شخصيات الأدب والفن ومنهم الملحن هانز آيزلر، والمصور أوسكار كوكوشكا، والمخرج برتولد فيرتل. وأتم في نفس العام بعض أعماله الهامة، ومنها حياة جاليليو (التي كتبها كما يذهب البعض تحت تأثير النجاح الذي حققه عالم الفيزياء المشهور أوتوهان بشطر نواة اليورانيوم) والأم شجاعة وأبناؤها، ومحاكمة لوكولوس، وكلها تمثل ذروة التطور في الدراما الملحمية الواقعية، كما تؤلف بين العناصر التعليمية والعناصر الفنية في وحدة واحدة. فجاليليو يعبر عن مأساة العالم الذي يتنكر في الظاهر لاكتشافاته العلمية الخطيرة التي تثير غضب الكنيسة وتهدد سلطانها المطلق لكي يتمكن من مواصلة البحث عن الحقيقة. والأم شجاعة هي مثال التاجرة الخبيثة الغبية التي تتعثر في حرب الثلاثين من مغامرة إلى مغامرة، وتفقد ابنيها وابنتها واحدا بعد الآخر، وتوشك أن تفقد كل شيء ولكنها لا تتوقف عن الجري وراء الربح ولا تتعلم من كوارث الحرب! أما القائد الروماني لوكولوس فيحاكمه العمال والعبيد في العالم الآخر ويزنون حسناته وسيئاته. وأما مسرحية «إنسان ستشوان الطيب» التي بدأها في عام 1938م وأتمها في عام 1941م فهي آخر الأعمال الكبرى التي ألفها في منفاه الاسكندنافي ، وحاول أن يثبت فيها بأسلوب فني غير مباشر كيف أن الإنسان مضطر في المجتمع الرأسمالي إلى أن يحيا بضميرين ينكر كل منهما صاحبه، وكيف أن الخير والطيبة لا مكان لهما في وسط يتحكم فيه الأغنياء في الفقراء. فالبغي الطيبة شن تي تتشكل في شكلين، وتعيش بقلبين ووجهين، أما أحدهما فيحسن إلى الفقراء ويعطف على المساكين ويحوز رضا الآلهة، وأما الآخر الذي تتحول فيه إلى ابن العم الشرير شوي تا فهو يفكر بعقلية الرأسمالي، ويتصرف بماله في أقدار الناس.
وانتقل الشاعر إلى فنلندا في عام 1940م حيث كتب هناك مسرحيته الشعبية المرحة الصافية «السيد بونتيلا وتابعه ماني» واستلهم فكرتها من قصص الكاتبة الفنلندية هيلا وليوكي التي آوته هو وأسرته في ذلك الحين. وبونتيلا واحد من فصيلة الإقطاعيين التي تنبأ برشت بانقراضها النهائي، فهو إنسان رحيم طيب القلب حين يسكر، ولكنه مستغل قاس مجرد عن الإنسانية حين يصحو من سكرته.
Неизвестная страница