Современность: очень короткое введение
الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
تعبر فيرجينيا وولف - بشكل واضح - عن فكرة أنه بمقدور الفنان بهذه الطريقة أن يصنع مكسبا معرفيا لنا جميعا في إطار الواقعية السيكولوجية، وهي تعد علامة على تحول مفاهيمي نحو استكشاف للأفكار الفلسفية الخاصة بشأن الذاتية، وهو التحول الذي من شأنه أن يحدث تغيرا في النموذج في مفهوم القرن العشرين للذات؛ ففي الروايات الواقعية، بحسب تعبيرها:
كل المدن من شتى الأنواع مجسدة، وعدد لا يحصى من المنشآت؛ فنرى مصانع وسجونا وإصلاحيات ومحاكم ومجالس برلمانية؛ صخبا عاما، صوت الطموح والسخط والجهد والصناعة يتصاعد من الكيان ككل، ولكن في وسط كل هذه الكتلة الضخمة المختلطة من الصفحات المطبوعة، وسط كل هذه المجموعة من الشوارع والخيول، ليس ثمة رجل أو امرأة نعرفه.
بعد ذلك، تتخيل وولف نموذجا للسيدة براون تجلس قبالتها في عربة قطار، مثلما قد يصفها إتش جي ويلز، أو جون جالزورثي، أو أرنولد بينيت؛ فقد بدا هؤلاء المؤلفون لها ذوي «قيمة عظيمة ، وأهمية كبيرة»، ولكن كتبهم «تترك المرء بشعور غاية في الغرابة بالنقصان وعدم الرضا، ومن أجل إكمالها يبدو ضروريا أن نفعل شيئا؛ أن ننضم لجمعية، أو الأكثر إحباطا؛ نكتب شيكا!» بعد ذلك تتجه وولف لوصف كيفية تناول هؤلاء الروائيين الثلاثة لشخصية السيدة براون بشكل غير واف، ولكن «تصوير السيدة براون بدقة» هو عنوان الفصل التالي في تاريخ الأدب. «دعونا نتنبأ مرة أخرى، سيكون هذا الفصل هو الأهم، والأكثر شهرة، والأكثر مصيرية.» وقد تم هذا «التصوير الدقيق» بنوع جديد إلى حد رائع وبعيد بالكلية عن أسلوب جويس القائم على إيقاظ الوعي؛ وذلك من خلال وولف ذاتها في رواياتها بداية من رواية «غرفة جيكوب» فصاعدا. وكان السبب الأساسي لاتباعها هذا الأسلوب أنه كان أكثر انطباقا على شخصية السيدة براون، وأنه قد حافظ أيضا على كبريائها الداخلي والعادي للغاية (مثلما تفعل الأفكار المجنونة لسبتيموس سميث أيضا في رواية «السيدة دالواي»).
كان هناك توحد بين الموسيقيين والكتاب والرسامين في هذا الاهتمام بطبيعة الخبرة الخاصة في إطار الظروف الحديثة، لا سيما في إطار المدينة. وفي ضوء هذا، لا بد لأذهاننا أن تستحضر قصيدة «الأرض الخراب»، بوصفها استكشافا للطبيعة الخاصة المذهبية والمضطربة عصابيا لتجربة إليوت مع الجنس في لندن، ولا بد بالمثل أن نكون على وعي بطبيعة الخلفية، ولكن بأقل درجة من الوعي بالهواجس الشعورية حين ننظر إلى استجابات بلوم ومولي وستيفن المختلفة تجاه دبلن في «يوليسيس»، أو الإخوة الثلاثة في رواية فوكنر «الصوت والغضب»، أو السيدة دالواي وهي تقطع شارع بيكاديللي وبوند؛ فليس لدينا فقط إدراك لانشغال عقل شخص آخر يمكن أن يثير مشاعر مهمة أخلاقيا وسياسيا بالتجانس والتعاطف، بل أيضا إدراك بتقدير هوية إحساس لغوي فردي داخل بيئة ثقافية معينة. إن الأمر لا يكمن في غياب المشاعر الخارجية، وإنما يكمن في رؤيتها من منظور فرد ما؛ ومن ثم إلغاء أو تجاهل (أو توقع) المعرفة الواقعية لكاتب موثوق، ولكن ما يعرفه هؤلاء الواقعيون النفسيون هو شيء مختلف: ... بج بن تدق. هناك! ها هي وقد انطلقت ترن عاليا. كنذير في البداية، يتماوج موسيقيا، ثم الساعة لا مسترد لها. الدوائر البطيئة المثقلة ذابت في الهواء. قالت في نفسها وهي تعبر شارع فيكتوريا: ما نحن إلا مغفلون. ذلك أن الله وحده هو من يعلم لم يحب المرء الدنيا هكذا، وكيف يراها المرء هكذا؛ يختلقها اختلاقا، يبتنيها حوله، يقلبها ويثنيها، يخلقها في كل لحظة من جديد. لكن إرث النسوة البائسات جلوسا عند العتبات (يواجهن سقوطهن) يفعلن الشيء ذاته. شعرت بيقين داخلها من أن أمرهن هذا لا يمكن تدبره بقوانين برلمانية لهذا السبب بالذات: إنهن يحببن الحياة. والحياة في عيون الناس، في التبختر والتسكع والتثاقل في المشية، في الصياح والصخب، والعربات والسيارات والحافلات والشاحنات، وجملة لوحات الإعلان على الصدور والظهور وهم يجرون أقدامهم ويتمايلون، والفرق النحاسية، والأرغن اليدوي الدوار، وفي النصر والرنة والنشيد الغريب العالي لطائرة ما فوق الرءوس؛ هي ما تحب؛ الحياة، لندن، هذه اللحظة من يونيو.
إن احترام «وجهة النظر الذاتية» للفرد، وعدم الثقة بالتجانس والوعي الجماعي (مثل الحكم السياسي ل «المواطن» في رواية «يوليسيس»، والافتراضات الطبية المهنية للطبيب برادشو في «السيدة دالواي») جانب أساسي من الحداثة؛ فالعديد من الروايات المهمة تبحث وجهة نظر وعي معين: ستيفن في رواية جويس، ومارسيل في رواية بروست، وهانز كاستورب في رواية مان، وليلي بريسكو في رواية وولف، وفرانز بيبركوف في رواية ألفريد دوبلين، ورواية «رجل بلا صفات» لروبرت موزيل. والشعراء؛ أمثال والاس ستيفينز، وويليام كارلوس ويليامز، ودبليو بي ييتس، وتي إس إليوت، ورينر ماريا ريلكه، وجوتفريد بن، وكثيرون آخرون، حملوا داخل أنفسهم معرفية العصر الجديدة، مثلما فعل الرسامون الذاتيون من فاسيلي كاندينسكي حتى سلفادور دالي وماكس إرنست، والموسيقيون أمثال أرنولد شونبرج وآلبان بيرج.
ينظر إلى نمو تحليل وجهة النظر الذاتية بنظرة فلسفية لدى برجسون، وبنظرة سيكولوجية لدى فرويد، ولكن تم تتبع أثره بأقصى درجات الدقة في الاعتماد الذاتي على الذات للفن الحداثي، الذي وضع حدودا لهذا النوع من علم النفس، وأيضا تتبع أثر التحرر المتنامي للفرد المعبر أو المبدع من أشكال الاعتقاد المقبولة اجتماعيا (كما في الصورة التي رسمها جويس لنفسه في شخصية ستيفن ديدالوس)، أو أعطى للقارئ حسا عميقا بوجود هوية تختلف أو تنشق. ولعل الأكثر إثارة، فيما يتعلق بسياسات قراءتنا حتى الآن، هو هويات النساء، مثلما تبين بطلة رواية تيار الوعي الضخمة ذات الأجزاء لدوروثي ريتشاردسون، ومولي بلوم، والسيدة دالواي، وليلي بريسكو.
التجلي والرؤية
يكمن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في هذا الأسلوب في شيء يمكن للمرء، تبعا لجويس، أن يطلق عليه الاعتماد على خبرة التجلي. يمكن تعريف هذا بشكل فضفاض بوصفه كشفا يتحقق، ليس من خلال التفكير الاستطرادي، ولكن من الفهم الذاتي الدقيق لشيء هو «خاص» بالكلية. بالطبع توجد دلائل على هذا التقليد الأدبي، من ويليام ووردزورث وجيرارد مانلي هوبكينز والرمزية الفرنسية، ومن جورج إليوت حتى جوزيف كونراد، ولكن جويس قام بتأسيس عملية نفسية كانت في طريقها لأن تكون محورية بالنسبة إلى الفن الحداثي.
هذه هي اللحظة التي أدعوها التجلي. في البداية، ندرك أن الشيء المادي هو شيء «واحد» كامل لا يتجزأ، ثم ندرك أنه بنية موحدة منظمة؛ «شيء» في الحقيقة، وأخيرا حين تصبح العلاقة بين الأجزاء أروع ما يكون؛ حين تتواءم الأجزاء مع النقطة الخاصة، ندرك أن ذلك «الشيء» هو المقصود؛ فروحه، ماهيته تقفز إلينا من الثياب التي تغطي مظهره؛ فتبدو لنا روح أتفه الأشياء، التي تتسم ببنية متألقة شديدة التواؤم. إن الشيء يحقق تجليه.
من شأن هذه الحجة أيضا أن تقدم تفسيرا للتأثيرات المقصودة للفن التجريدي ورسم الطبيعة الصامتة، ويمكن أن تكون رسما تخطيطيا مبكرا لمفهوم بلومزبري عن «الشكل الدال»، ولكنها تعتبر عاقبة أخرى، أو نظرة متبصرة داخل طبيعة الواقع، الذي يعد أمرا محوريا بالنسبة للتجلي الأدبي؛ إذ يظهر لدى جويس، ومان، ووولف، وجان بول سارتر وآخرين. ويميل جويس لاعتبارها عملية نفسية من الانفصال الجمالي (التي تنحدر أصولها من والتر باتر) «يعطل» فيها العقل، و«يرتقى به عن الرغبة والنفور» داخل «علاقات المعقول والمدرك» (الذي يسري جيدا - بشكل خاص - على فهمنا للفن مثلما تنطبق على فهم موندريان له ).
Неизвестная страница