والتحول الذي تم في جزء من الهند بفعل المسلمين هو دون التحول الذي وقع في مصر، ففي الهند كان للمغلوبين من الأثر في الغالبين ما لم يحدث مثله في أي بلد خضع لأتباع محمد، فبعد أن كان للحضارة الجديدة التي أدخلها الأفغان والترك والمغول إلى وادي السند ووادي الغنج فعل عظيم في الحضارة القديمة التي كانت فيهما لم تلبث أن تأثرت بها فأسفر هذا عن ظهور حضارة ثالثة مشتملة على عناصر تينك الحضارتين بالتساوي تقريبا، وتسمى هذه الحضارة الثالثة بالحضارة الهندية الإسلامية.
ولم يخل العصر الهندي الإسلامي من مؤرخين، ولو لم ينته إلينا من هذا العصر مخطوطات كافية لتنوره لأمكننا ذلك من البحث في المباني الكثيرة التي شيدت فيه فدلت على اختلاف المؤثرات الإسلامية باختلاف الأقطار، فمن هذه المباني نعلم أين كان أثر المسلمين البالغ وأين تغلبت عليه العبقرية الهندوسية، وما تجلى في المعابد والقصور من ضروب الفنون يدلنا، كذلك، على مصدر الأسر المالكة التي كان لها السلطان على الهند؛ لما تحمله هذه المباني من الطابع الفني الخاص بكل واحدة منها، ويمكن القارئ أن يتبين تاريخ المسلمين في الهند من الصور التي نشرناها في هذا الكتاب عن فن عمارتهم.
ولم يكن المسلمون الذين استولوا على الهند غير مرة في عهد محمود الغزنوي وتيمور لنك وبابر وغيرهم من عرق واحد، فغزاة المسلمين الأولون كانوا من الأفغان والترك، وغزاة المسلمين الآخرون كانوا من المغول مع شيء من التمازج، وأما العرب الذين هم أتباع محمد السابقين فلم يقيموا مستعمرات مهمة في الهند وإن كانوا يجيئون إليها، في الغالب، من بلادهم مجاوزين بحر عمان للتجارة فينشئون المستودعات، ويستولون عنوة على أملاك في السواحل الغربية نحو مصب نهر السند.
وإن مغازي جموع المسلمين الزاخرة التي انقضت على الهند في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من ثغرة كابل الدائمة الانفتاح هي أخرى المغازي التورانية، ومن التورانيين، على الخصوص، أصحاب بابر المغول ذوو الوجوه المسطحة والجلود الكامدة والعيون الحادة الأفقية الغائرة والوجنات البارزة والشعور السود المنسدرة
1
واللحى المعرة،
2
ويختلف هؤلاء المغول الذين هم إخوان هون أتيلا وكلموك الأورال كثيرا عن الأفغان ذوي الخدود الضيقة والأنوف المنقارية وعن الترك ذوي العيون النجل والجلود البيض والوجوه المتناسبة الصفيقة.
وكان المغول فاتحين لجميع آسيا تقريبا ومهددين لأوروبا حينما وصلوا إلى الهند، ولم تؤسس دولة واسعة بسرعة كالتي أسسوها، وهؤلاء القوم بينما كانوا يرعون مواشيهم في مراعي سيبرية العظيمة المملة استحوذت عليهم روح حرص غريبة طائشة فانقضوا بغتة على العالم لفتحه سائرين وراء خيال يختلف عن مطامع الجمهورية الرومانية المنظمة الفاترة وحمية العرب الدينية، ذلك الخيال القائم على الفتح العالمي للتلهي بالفتح نفسه، وإن شئت فقل: لإذلال الأمم أمام رايتهم، ولحملها على التسبيح بحمدهم، ولوضع جبروت رئيسهم الأعلى الخان الأكبر فوق البشر.
شكل 5-1: إليفتنا. أعمدة في المعبد السابق.
Неизвестная страница