اقتصر علماء أوروبا في مباحثهم التاريخية عن الهند على ترجمة الأسانيد السنسكرتية مع أن السنسكرت، لدى الهندوس، لغة ماتت منذ عدة قرون، ويكاد شأنها عندهم يكون مماثلا لشأن اللغة اللاتينية في أوروبا، فتكون معرفتنا لتطور الهند من دراسة كتب الآداب القديمة وحدها متعذرة تعذر معرفتنا لأحوال الناس في القرون الوسطى وفي عصر لويس الرابع عشر من دراسة كتب سيسرون وفيرجيل فقط.
ومن العسير أن نستعين بالكتب وحدها فنطلع على ما في الويدا من الشعر الأغر، وما أثر عن قدماء الحكماء من التأملات الفلسفية، وما لا يحصى من الآلهة، وما يخالف الذوق من الطقوس الصارمة، ففي الهند نفسها يجب البحث عن حضارتها الكبيرة الرفيعة، وآثار عظمتها المحيرة للعقول، فلا يتجلى مفتاح الأسرار المملوءة بها آداب الهندوس إلا في أطلال مدنها القديمة، وفيما هو ماثل بين صرود
2
همالية المتجمدة وسهول الدكن المحرقة من أطلال المدن القديمة ونقوش الزون
3
والقصور الزاهية الهائلة التي لم يردها الرواد إلا حديثا؛ ففي هذه الكتب الحجرية التي لا تعرف الكذب تحفظ أفكار الأمم.
ومنذ عهد قريب فقط فطن إلى أهمية ذلك الطراز في البحث، فبينما يقضي كثير من العلماء أوقاتهم في درس كتب الأدب البرهمي فيسفر ذلك عن وضع ضخم المؤلفات، وبينما يملأ أولئك العلماء في العواصم الأوروبية الكبيرة ما لا يعد من الدفاتر، تجد اتجاها حديثا إلى دراسة آثار الهند ومبانيها في أماكنها.
ولا مراء في أن الحكومة الإنجليزية عينت لجنة خاصة لبلوغ ذلك الغرض، غير أن هذه اللجنة لم تصنع غير حل الكتابات وفك رموزها على الخصوص، ولم تنشر سوى رسوم هندسية لقليل من الآثار بدلا من عرض صور هذه الآثار عرضا يعلم الغربي منه وجود فنون تختلف عن فنونه اختلافا تاما.
وتزيد ضرورة معرفة تلك الآثار معرفة تامة ما أغضى الأوروبيون الفاتحون عن دثورها بفعل الزمن إن لم يقوضوها بمعاولهم، فإذا ما أريد الحكم على ما يصل إليه الأمر في المستقبل بما يقع في هذه الأيام قلنا إنه لا يبقى شيء من تلك العجائب التي أقيمت في قرون كثيرة قبل انقضاء خمسين سنة، وإنني أذكر ما حدث في مدينة كهجورا القديمة مثالا من بين ألوف الأمثلة المماثلة على ذلك الاستخفاف بالآثار، فقد زال في الأربعين سنة الأخيرة نحو ثلث المعابد الستين التي كانت تزين جيد هذه المدينة.
قال الجنرال الإنجليزي كننغهم منذ بضع سنين: «يستحيل على الباحث أن يجوب الهند من غير أن يأسف على ما أصيبت به بقايا مبانيها الأثرية، ولم تصنع الحكومة في قرن بعد الفتح الإنجليزي شيئا تقريبا لحفظها وصيانتها، مع أنها المصدر الوحيد لمعرفة أحوال الهند الغابرة التي لم يدون لها تاريخ، ولا ريب في زوال الكثير منها إلى الأبد ما لم تخلد بتصويرها ووصفها وصفا مبينا.»
Неизвестная страница