صلى الله عليه وسلم
عرف قبل البعثة وقد بلغ الأربعين من عمره بمكارم الأخلاق، ولين الجانب، ولطف الحديث، وطلاقة الوجه، وعدم النفور من أمثال هذه الصفات المحمودة الجليلة، التي لا يلائمها الشر وإيذاء الناس لحملهم على قبول عقيدة، ومن يبلغ الأربعين بخلة من الخلال يستحيل أن يتخلق بضدها وإن تكلفه.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
أما الغزوات النبوية والحروب الإسلامية فقد كان لها أسباب معقولة معروفة، يلمسها القارئ فيما سردناه من الغزوات والسرايا، فلم يعهد فيها أن المسلمين ذهبوا إلى قوم ليس بينهم وبينهم عداوة وترات وقالوا لهم: «إما الإسلام، وإما السيف.» وإنما كان يتعرض المسلمون لمن آذاهم بسبب الأمور الدنيوية المدنية، أو بسبب ظهورهم بدين جديد كانوا يدعون الناس إليه بالحسنى والموعظة الحسنة، وليس عليهم هدى الناس، وإنما الله يهدي من يشاء، فمن آمن بالله فله إيمانه، ومن كفر فعليه كفره، وليس لهم على أحد من سلطان، هذه حال المسلمين مع من يدعونهم إلى الإسلام، ولكن رؤساء بعض المدعوين ضنوا برياستهم على الزوال، وأبوا إلا أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله التي تسهل على مرءوسيهم وعبادهم الفرار من مظالمهم إلى فضاء العدل والإحسان.
غير أن هذه الحروب قد أفادت الأمة العربية الإسلامية فوائد جمة، من أجلها الغنائم التي أغنت المهاجرين عما فقدوه بالهجرة، والأنصار عما ذهب في إكرامهم إخوانهم المهاجرين، فشغل بذلك العرب عن غزو بعضهم بعضا وعن إثارة الفتن الداخلية، فلما فتروا عن الحرب هنيهة إثر وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، امتنع كثير منهم عن دفع الزكاة؛ فاستباح أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - قتالهم، فردهم إلى الإسلام عنوة، ورأى أن يتم بعد ذلك ما أراده النبي
صلى الله عليه وسلم
من غزو الفرس والشام ليشغل العرب عن التفرق والخصومات والنزاع الداخلي والرجوع إلى التفرق دينا ودنيا، فأنفذ جيش أسامة ليضرب الأعداء بالعرب، فإن ذلك خير من أن يضرب بعض العرب ببعض إذا لم يشغلهم بحرب غيرهم، وكذلك رأى عمر - رضي الله تعالى عنه - من بعده، فدوخ بجيوشه وأبطالهم - خالد، والمثنى، وأبي عبيدة، وعمرو - الأعداء، وفتح البلاد لتكون موارد خير للأمة العربية، وليرفع عن تلك البلاد التي فتحها الإسلام ظلم الرومان والفرس، الذي بلغ إذ ذاك أشده، كما كانت حاله في فتح مصر وأمرها معروف، وأباح له ولأبي بكر حرب الروم وفتح بلدانهم ما أباح للنبي
صلى الله عليه وسلم
Неизвестная страница