Хабермас: Очень короткое введение
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
يؤكد هابرماس على أنه رغم أن التمييز التاريخي بين الخلقية والأخلاقيات غامض وملتبس، فإن تمييزه المفاهيمي بين الاثنتين قاطع وحاسم. ويصر على أن المعايير الصحيحة مختلفة جوهريا عن القيم. إن الغاية من خطاب خلقي متسق مع المبدأ الأخلاقي هي استبعاد جميع القيم باعتبارها غير قابلة للتعميم. وحينئذ فقط يمكنه أن يعمل كقاعدة لحجة تجعل الاتفاق ممكنا. يود هابرماس أن يبدد أي شكوك متبقية في أن المبدأ الأخلاقي مجرد تحيز عرقي يستند إلى مجموعة عارضة من القيم. ويقول إن المبدأ الأخلاقي يضرب بجذوره في التواصل والخطاب، ويعد جزءا من نسيج المجتمعات الحديثة نفسه. وتحكم ادعاءات صحة الصواب والحقيقة التنسيق بين الأفعال، وتوفر أساسا للنظام الاجتماعي. لو كان له أن يشوش التمايز بين الخلقية والأخلاقيات، وبين المعايير الخلقية والقيم، من أي من الاتجاهين، لتسربت القيم التي يقر بها مصدرا للنزاع المستعصي إلى النطاق الأخلاقي، ولهددت مفهومه البراجماتي عن الخلقية بأكمله.
تكمن المشكلة في أن تمييز هابرماس ليس محكما كما ينبغي. يوضح توماس ماكارثي أن هابرماس أثناء تسرعه لرفض المذهب الطبيعي (القائل بأن جميع القيم يمكن اختزالها إلى حقائق تجريبية عن احتياجات البشر ومصالحهم)، فإنه يزعم أن الاحتياجات والمصالح دائما ما تتشكل ويتم تفسيرها في ضوء القيم الثقافية. ومع ذلك، فهو يزعم أيضا أن المعايير الخلقية تجسد المصالح، مع أنه يقصد المصالح القابلة للتعميم فقط؛ ولذا، فإن هابرماس يقر على أية حال بأن المعايير الخلقية تعول على القيم باعتبارها الأساس الذي يفسر الفاعلون والمشاركون في الخطاب مصالحهم واحتياجاتهم عليه. ومن ثم فهو يسمح للقيم، دون قصد، بالدخول من الباب الخلفي، وما تحمله من احتمالات تسببها في صراع خلقي.
لدى هيلاري بوتنام اعتراض يخوض بعض الشيء في هذا الاتجاه نفسه. يقول بوتنام إن التمايز بين المعايير والقيم لا يمكن أن يكون حاسما؛ لأن المعايير تفترض مسبقا وجود «مفاهيم أخلاقية صلبة» أو قيم. فمعايير مثل «كن لطيفا مع أصدقائك» و«لا تكن قاسيا على الأطفال» تفترض مسبقا وجود قيمتي الصداقة أو القسوة، ومن دونهما لا توجد لغة يمكن تعريف هذين المعيارين ووصفهما بها. إذا كان مكارثي وبوتنام على حق، فسنجد أن المعايير الصحيحة ليست نادرة وحسب، بل ومتداخلة مع القيم الثقافية المثيرة للجدل بشكل لا مناص منه. وفي هذه الحالة، سيضطر الفاعلون إلى أن يجدوا آليات مختلفة لحل النزاع، وأن يبحثوا عن سبل أخرى للتعاون والنظام الاجتماعيين بخلاف السبل الخلقية. ويستتبع هذا تحولا كبيرا في ركيزة برنامج أخلاقيات الخطاب بعيدا عن الخلقية والأخلاقيات وباتجاه السياسة والقانون.
الفصل الثامن
السياسة والديمقراطية والقانون
يرى هابرماس أن القيم الأخلاقية المشتركة (أو ما يطلق عليه روح الجماعة
ethos ) هي ما يمسك عرى المجتمعات التقليدية. وتسمح التنشئة والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية للناس باكتساب هويات ودوافع ملائمة للأدوار والواجبات التي تتطلبها مؤسسات المجتمع كي تعمل بسلاسة. المجتمعات الحديثة معقدة ومتمايزة ومتعددة الثقافات؛ فلا يوجد مركز وحيد يتحكم فيها، ولا يربط بينها أي تقليد وحيد مهيمن، أو رؤية عالمية، أو مجموعة من القواعد. في المجتمعات الحديثة، تتشكل للناس هويات عامة ومجردة؛ مما يعني أنهم لا يرون أنفسهم عموما باعتبارهم أبناء أو بنات فلان، أو جزءا من عائلة أو سلالة أو كمواطنين بدولة في المقام الأول؛ إنهم يرون أنفسهم والآخرين أولا وأخيرا أفرادا وأشخاصا مستقلين وعقلانيين يمارسون حياتهم بناء على مبادئ عامة وأسباب محددة تنطبق عليهم. وتستمر هوياتهم المجردة رغم التغيرات التي تطرأ على الجنسية والثقافة وبلد الإقامة والعمل والاسم وما إلى ذلك. والذاتية الحديثة أيضا تحيد عن مركزيتها؛ لأن الضغوط المستمرة التي لا مناص منها للمشاركة في الخطاب (لا سيما الخطاب الأخلاقي) تتطلب تبنيا مثاليا للأدوار، وتبادلا للمنظورات مع الآخرين جميعهم، وتطويرا لما أسماه ميد بالذات الأكبر (انظر الفصل السادس).
في البرنامج الأصلي لأخلاقيات الخطاب، زعم هابرماس أنه تحت الظروف الحديثة يكون الخطاب الأخلاقي الآلية الأساسية للاندماج الاجتماعي. فالخطاب الأخلاقي مناسب للمجتمعات المتنوعة ثقافيا ، ما دام أنه يسمح للناس مجتمعين بتحديد قواعد تعايشهم بأنفسهم، وهذه القواعد عامة جدا وشمولية إلى أقصى درجة ممكنة. في فترة ما في أواخر الثمانينيات، أدرك هابرماس أن الخلقية، حسب وصفها في البرنامج الأساسي، محدودة للغاية، لدرجة أنها تخفق في الوفاء بالوظيفة الاجتماعية المركزية التي يخصصها لها. بالتزامن مع استحداث مفهوم الخطاب الأخلاقي، يبدأ برنامج أخلاقيات الخطاب المعدل في مواجهة هذه المعضلة، وتستمر النظرية السياسية لهابرماس في الاتجاه نفسه. فهي تقر بأن الخطاب الأخلاقي وحده لا يكفي لتنظيم النزاعات، والحفاظ على النظام الاجتماعي في المجتمعات المتباينة ثقافيا. وليس ذلك لمجرد وجود القليل جدا من المعايير الأخلاقية الصحيحة، ولا لأن المعايير نفسها قد تكون محملة بقيم مثيرة للجدل، ولكن لأن البشر فيهم «اعوجاج» أصلا بحسب المجاز الذي ساقه كانط. إذا كانت الأمور خلاف ذلك؛ أي إذا كان الفاعلون الحداثيون يميلون بدون شك إلى التصرف بشكل أخلاقي طوال الوقت، فقد تكون الخلقية وحدها كافية للحفاظ على سلامة المجتمع واستمراره. ومن الواضح أن هذا ليس الحال.
يبدأ برنامج هابرماس للنظرية الديمقراطية والقانونية بالإقرار بأن الأنظمة الاجتماعية الحديثة لا تتشكل بالمعايير الأخلاقية فحسب، بل بالمؤسسات السياسية والقوانين أيضا. وفي هذا السياق، يتمم «بين الحقائق والمعايير» أخلاقيات الخطاب، وفي الوقت نفسه يعد امتدادا واستكمالا لبرنامج النظرية الاجتماعية. يجوز أن يقول المرء (ولا شك أن أحدهم قالها بالفعل) إن فلسفة هابرماس اتخذت منعطفا سياسيا. وإذا صح ذلك، فلا عجب ما دامت نظريته الاجتماعية والأخلاقية، بحسب زعم كثير من نقاده، كانت دوما في واقع الأمر نظرية سياسية مقنعة. وحتى لو صح ذلك، فهو لا يعني أن هابرماس يمكن أن يسقط النظرية الأخلاقية لمصلحة نظريته السياسية والقانونية. والواقع أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك؛ لأن السياسة والقانون، من وجهة نظره، لا يتسنى لهما العمل في غير وجود الخلقية؛ ومن ثم تعتمد النظرية السياسية والقانونية على النظرية الأخلاقية. (1) مفهوم السياسة لدى هابرماس (1-1) بنية السياسة «ذات المسارين»
يميز هابرماس بين نطاقين أساسيين للسياسة: غير الرسمي والرسمي. ويتألف النطاق السياسي غير الرسمي من شبكة من المصادر التلقائية «الفوضوية» من التواصل والخطاب. لنطلق على هذا النطاق «المجتمع المدني». وتشمل أمثلة المجتمع المدني المنظمات التطوعية والاتحادات السياسية والإعلام. والأمارات المميزة للمجتمع المدني هي أنه لا يتحول إلى مؤسسة، ولم يخلق لصنع القرار. وفي المقابل، فالسياسة بمعناها الرسمي تختص بالنطاقات المؤسسية للتواصل والخطاب، وهي مصممة تحديدا لصنع القرار. وتتضمن الأمثلة البارزة على السياسة الرسمية البرلمانات ومجالس الوزراء والمجالس المنتخبة والأحزاب السياسية. لاحظ أنه من الخطأ الظن بأن هذا النطاق السياسي الرسمي مرادف للدولة؛ وذلك لأن الدولة ليست مجموعة من المنتديات المؤسسية المسئولة عن وضع السياسات وصنع القرارات فحسب، بل هي أيضا نظام إداري وكيان بيروقراطي توجهه، على حد قول هابرماس، أداة السلطة.
Неизвестная страница