Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

Шахата Сакр d. Unknown

Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

Жанры

إلى أدلة المواعظ موضوعات للخطب بأدلتها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة مع ما تيسر من الآثار والقصص والأشعار جمع وترتيب شحاتة صقر: الجزء الأول الخطب من١ - ٥٠ مع كلمات متعلقة بالخطابة والخطبة والخطيب طبعة جديدة منقحة وبها بعض الزيادات الناشر: دَارُ الفُرْقَان للتُرَاث البحيرة - حوش عيسى - شارع عبد العظيم بديوي - أمام الشهر العقاري ت/٠١٢٤٥٣٦٠٠٣

Неизвестная страница

حقوق الطبع محفوظة رقم الإيداع: ٥٠٤٥/ ٢٠٠٨ * يمكن للخطيب الاستعانة بموقع المنبر www.alminbar.net في إعداد الخطب. * يمكن للخطيب الحصول مجانًا علَى موسوعة خطب المنبر وذلك من: موقع صيد الفوائد www.saaid.net، وموقع مشكاة الإسلام www.almeshkat.com وغيرهما. والموسوعة برنامج يحتوي على ٥٠٠٠ خطبة من خطب موقع المنبر www.alminbar.net. دَارُ الفُرْقَان للتُرَاث البحيرة - حوش عيسى - شارع عبد العظيم بديوي - أمام الشهر العقاري ت/٠١٢٤٥٣٦٠٠٣

1 / 2

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاالله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلمونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. «فإن الخطابة إحدى وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، وهي من أهم وسائل التربية والتوجيه والتأثير، لذا فقد كانت جزءًا من مهمة الأنبياء ﵈ في دعوة أقوامهم إلى توحيد الله ﷿ وطاعته، وتحذيرهم من غضبه وبطشه، وأليم عقابه، ليقلعوا عما هم عليه من ضلال وفساد عقدي، وخلقي، واجتماعي. وما زالت الخطابة - أيضًا - وسيلة ناجحة من الوسائل التي يلجأ إليها المصلحون، والعلماء، والدعاة، والقادة في كل العصور لتحريك العقول، وبعث الثقة في النفوس للدفاع عن فكرة معينة، أو النهوض بمهمة معينة.

1 / 3

وإن خطبة الجمعة تتميز بمزايا، وتختص بخصائص لا تتوفر في أي نوع من أنواع الخطب الأخرى، حيث إنها تمثل شعيرة من شعائر الإسلام، وتتم في جو مهيب خاشع تتهيأ فيه النفوس للتلقي والاستماع، ويشعر المسلم فيه أنه في صلاة وطاعة لله ﷿، كما أنها تتميز بوجوب الإنصات إلى الخطيب، وعدم التشاغل عنه، مما يفردها عن سائر الخطب، والمحاضرات، والندوات التي لا ينطبق عليها الحكم الشرعي نفسه. وتتميز خطبة الجمعة أيضًا بالاستمرارية والتكرار في كل أسبوع، ففي العام الواحد يستمع المصلي لاثنتين وخمسين خطبة، وهذا يمثل مساقًا دراسيًا متكاملًا، فإذا أحسِن إعداده كانت آثاره جليلة، وثمراته عظيمة. وتتميز خطبة الجمعة إلى جانب ذلك بتنوع الحاضرين إليها، وباختلاف مستوياتهم وطبقاتهم العلمية، والاجتماعية، فإن الخطيب في خطبة الجمعة يخاطب جميع فئات المجتمع، وهذا التنوع يعني تذليل العقبات التي تحول دون تنفيذ طرائق الإصلاح الاجتماعية، فإن العامل وصاحب العمل، والطالب والمعلم، والموظف والرئيس كلهم يخاطَبون في آنٍ واحد، ويوضعون أمام مسؤولياتهم، فلا تخاطَب فئة منهم في غياب الفئة الأخرى، ولا تحمل المسئولية على فئة منهم دون الأخرى». (١) وهذا الكتاب (دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ) محاولة لإعداد موضوعات متكاملة يستفيد منها الخطيب وغيره في إعداد خطبة الجمعة وغيرها من المواعظ. وقد جمعتها من كتب أهل العلم، ومن مواقع الخطب على الشبكة العنكبوتية مع تعديلها بالحذف أو الإضافة بما يناسب منهج الكتاب. وتشتمل هذه الموضوعات على أدلة من الكتاب والسنة الصحيحة مع ما تيسر من الآثار والقصص والأشعار، مع الحرص على تجنب الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ حيث إن في الصحيح ما يُغني عن الضعيف.

(١) «باختصار من (خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة)، إعداد: عبد الغني أحمد جبر مزهر. الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية.

1 / 4

والاعتماد في الحكم على الأحاديث في الغالب على كتب الشيخ الألباني ﵀، وفي النادر على كتب الشيخ أحمد شاكر ﵀، أو الكتب التي أشرف على تحقيقها الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله. أما طريقة عرض الخطبة فمتروكة للخطيب بما يناسب قدراته ومنهجه في العرض وبما يناسب جمهور مستمعيه. وقد يلاحظ الخطيب أن في بعض الخطب طولًا فاحشًا، ولكن هذا لا يعني أنه يقولها كلها في خطبة واحدة - فإن من السنة عدم إطالة الخطبة - بل الغرض من ذلك توفير المزيد من العناصر التي تتيح له فرصة الانتقاء منها إذا لزم الأمر. واللهَ نسأل أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه - سيدنا محمد - وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر saqrmhm@gawab.com

1 / 5

كلمات متعلقة بالخطابة والخطبة والخطيب (١) مكانة يوم الجمعة في الإسلام: يوم الجمعة في الإسلام له مكانة رفيعة ومنزلة عالية وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على تميزه واختصاصه بخصائص عديدة. وذكر الإمام ابن القيم ﵀ في كتابه (زاد المعاد) خصائص يوم الجمعة وأوصلها إلى ثلاث وثلاثين خصيصة ذكر منها: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله ﵌ بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنانه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا مقصود الخطبة والاجتماع لها ... أ. هـ.

(١) انظر: * وميض من الحرم، للشيخ سعود الشريم. * خطبة الجمعة في الكتاب والسنة، لعبد الرحمن بن محمد الحمد، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية. * خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة، إعداد: عبد الغني أحمد جبر مزهر. الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية. * موضوعات خطبة الجمعة، إعداد الشيخ عبد الرحمن بن معلى اللويحق. * خمسون وصية ووصية لتكون خطيبا ناجحًا، إعداد: أمير بن محمد المدري، إمام وخطيب مسجد الايمان - عمران - اليمن» * كيف تختار موضوع الخطبة: مجلة البيان ٢ ربيع الثاني ١٤٢٦هـ - ١٠ مايو٢٠٠٥م. * موقع المنبر www.alminbar.net

1 / 6

مكانة خطبة الجمعة وأهميتها: لا شك أن خطبة الجمعة في الإسلام لها مكانة سامية وأهمية بالغة وتعد خطبة الجمعة من أهم - إن لم تكن أهم - وسائل الاتصال بالناس، وأعظمها أثرًا، فهي تتميز بعدة مزايا، منها: ١ - أنها من وسائل نشر الدعوة العامة حيث لا تختص بأحد دون أحد، ولا طبقة دون طبقة، فجميع المصلين يستمعون إليها من الخطيب: مَن كان منهم قوي الإيمان أو ضعيفه، ومن كان منهم ذا ثقافة أو عديمها، والكبير والصغير؛ فهي فرصة للخطيب متكررة يستطيع بها التأثير على هذه الأعداد الهائلة الذين سيحضرون باختيارهم راغبين غير مكرهين. وكثير ممن لا يشهد صلاة الجماعة يحضر الجمعة، وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع، وأن يتحدث إلى الكثير ممن لا يحضرون المحاضرات والندوات، ودروس المساجد، فهي تعد من المجالات القليلة جدًا التي يتاح للدعاة من خلالها أن يتحدثوا مع الجميع. ٢ - الأمر بالسعي لها فإن المسلم مأمور بالسعي لصلاة الجمعة حين يسمع النداء الثاني، وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه الإنصات للخطيب ولا يجوز الكلام فالمسلم أمِرَ بالسعي إلى الجمعة والإنصات للخطبة. ٣ - استمرارية التواصل، فخطبة الجمعة تتكرر كل أسبوع، ففي العام الواحد يستمع المصلي لاثنتين وخمسين خطبة، فلو أن كل خطيب يعالج في كل سنة اثنين وخمسين موضوعًا ما بقي بين المسلمين جاهل بالأحكام الضرورية. ٤ - الحاضرون والمستمعون للخطبة يزيدون ولا ينقصون بخلاف غيرها من وسائل الدعوة الأخرى أو المستجدات العصرية - كالمحاضرة والدرس والندوة مثلا - فقد يخرج البعض قبل اكتمال الموضوع، ففرق شاسع بينها وبين وسائل الدعوة الأخرى مما يدل على أهميتها.

1 / 7

٥ - الجو الرُوحاني الذي تتم فيه الخطبة، فهي تتم في بيت من بيوت الله تعالى تعمره السكينة، وتغشاه الرحمة، ويغمره الخشوع، وتحفه الملائكة الأطهار. ٦ - وجوب الإنصات الذي يميز الحاضرين في خطبة الجمعة، فقد أمِر الحاضر للخطبة بالإنصات للخطيب، بحيث إنه نُهي أن يتكلم مع جليسه بكلمة ولو كانت خيرًا، فلا يقول له: «أنصت»، وعدم جواز تشميت العاطس، ورد السلام، ولا يمس الحصى، أي لا يأتي بأي قول أو فعل يقدح في تمام الإنصات والاستماع حتى يكون كامل الاستعداد للتلقي والإفادة مما يسمع. ٧ - الاتصال المباشر بين الخطيب والمخاطبين، الأمر الذي يُفتقَد في كثير من الوسائل الأخرى، ولا ريب أن هذا الاتصال المباشر أعظم تأثيرًا في النفوس لقراءة الإنسان - من قريب - الانفعالات العاطفية والوجدانية التي تحدث لدى الخطيب فيكون أكثر تأثرًا بها، ولِما تحدثه المباشرة من المشافهة، والسؤال، والحياء، والمخاطبة. ٨ - شعور المرء وهو يستمع إلى الخطبة أنه في عبادة، وطاعة لله ﷿، بل الشعور بأنه يقوم بأداء فريضة من الفرائض وإظهار شعيرة من الشعائر الإسلامية، مما يميزها عن أي محاضرة، أو ندوة ونحوها، وهذا الشعور يضفي على المرء قدرًا من المهابة والخشوع، ويُحْدِث في نفسه قدرًا من الطمأنينة والسكينة، ومزيدًا من الرضا والسعادة. ٩ - الخطبة ثابتة ومستمرة في كافة الأحوال في السلم والحرب والأمن والخوف، وتَوَفّر الخيرات والجدب فهي مطلوبة في سائر الظروف والأحوال. وحين يعتني بها الخطيب، ويرتب موضوعاتها يقدم للمستمع مادة متكاملة، فهي تمثل دورة مكثفة مستمرة، وهذا التكرار والاستمرار في كل الظروف، وفي جميع الفصول والمواسم، له دور كبير في إرساء المفاهيم الإسلامية، وتقليل الشر والفساد، ورفع مستوى الخير والصلاح، والحث على الفضائل، فإن تنوع

1 / 8

الموضوعات لخطبة الجمعة يجعلها تستوعب متطلبات الوعي لدى المسلم المواظب على حضور هذه الخطبة. ١٠ - إن خطبة الجمعة باستمرارها وتكرارها، وبتنوع موضوعاتها ذات آثار عظيمة في تربية الأمة، وتصحيح عقيدتها، وتقويم مسلكها، وتجنيد طاقاتها لخدمة عقيدة الإسلام، ونصرة دين الله ﷿. في بحث عن أثر خطبة الجمعة في مصر (طبقا لموقع Islamdoor.com) أفاد ٧٨% من العينة أنهم يتأثرون دائمًا بما يقوله الخطيب، وأفاد ٧١% أنهم يلتزمون دائمًا بما يقوله الخطيب. وتم الاتفاق مع أحد الخطباء على أن يخطب عن الربا، وأجرِىَ استفتاء قبل الخطبة، وبعدها، فكانت النتيجة أن ٨٥% كانوا يعرفون المفهوم الصحيح للربا، وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى ٩٧%، و٣٣% كانوا يعرفون عقوبة الربا، وارتفعت إلى ٩٤%، و٥٠% كانوا يفضلون الاستثمار في البنوك الإسلامية وارتفعت إلى ٦٤%، و٣٤% سينصحون الآخرين بترك الربا، و٣١% سيقاومون أي عمل ربوي. وتعكس هذه النتائج دور خطبة الجمعة ليس فقط في المعالجات الإسلامية للقضايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضًا في طرح ما يستجد من هذه المشكلات والمساهمة في حلها وفقا للمرجعية الإسلامية؛ إذ لا يمكن للمنبر أن يتخذ موقفًا محايدًا منها على اعتبار أن هذا يناقض وظيفة الخطبة، فضلا عن وجود تأثيرات سلبية خطيرة نفسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا. والتصدي لمثل هذه المشكلات هو من صميم خطبة الجمعة؛ نظرا لأن الخطيب في هذه الحالة يقوم بفريضة (الحسبة) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي تعادل فريضة الجهاد في سبيل الله ﷿؛ فالأولى مجالها الداخل، والثانية مجالها الخارج.

1 / 9

صفة خطبة النبي ﵌ - قال الإمام ابن القيم ﵀ في (زاد المعاد): «كَانَتْ خُطْبَتُهُ ﵌ إنّمَا هِيَ تَقْرِيرٌ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ: مِنْ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ وَذِكْرِ الْجَنّةِ وَالنّارِ وَمَا أَعَدّ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَا أَعَدّ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ؛ فَيَمْلَأُ الْقُلُوبَ مِنْ خُطْبَتِهِ إيمَانًا وَتَوْحِيدًا وَمَعْرِفَةً بِاللهِ وَأَيّامِهِ. وَمَنْ تَأَمّلَ خُطَبَ النّبِيّ ﵌ وَخُطَبَ أَصْحَابِهِ وَجَدَهَا كَفِيلَةٍ بِبَيَانِ الْهُدَى وَالتّوْحِيدِ، وَذِكْرِ صِفَاتِ الرّبّ ﷻ، وَأُصُولِ الْإِيمَانِ الْكُلّيّةِ، وَالدّعْوَةِ إلَى اللهِ وَذِكْرِ آلَائِهِ تَعَالَى الّتِي تُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ وَأَيّامِهِ الّتِي تُخَوّفُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ، وَالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ الّذِي يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ، فَيَذْكُرُونَ مِنْ عَظْمَةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ وَيَأْمُرُونَ مِنْ طَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ وَذِكْرِهِ مَا يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ السّامِعُونَ وَقَدْ أَحَبّوهُ وَأَحَبّهُمْ. وَمِمّا حُفِظَ مِنْ خُطَبِهِ ﵌ أَنّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَخْطُبَ بِالْقُرْآنِ وَسُورَةِ ﴿ق﴾. قَالَتْ أُمّ هِشَامٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ النّعْمَانِ: «مَا حَفِظْت (ق) إلّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ﵌ مِمّا يَخْطُبُ بِهَا عَلَى المنْبَرِ» (رواه مسلم). هَدْيِهِ ﵌ فِي خُطَبِهِ • كَانَ ﵌ إذَا خَطَبَ احْمَرّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدّ غَضَبُهُ حَتّى كَأَنّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبّحَكُمْ وَمَسّاكُمْ، وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيُقْرِنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السّبّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: «أَمّا بَعْدُ فَإِنّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة» ثُمّ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيّ وَعَلَيّ» (رَوَاهُ مُسْلم). • وَكَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ التّحْمِيدِ وَالثّنَاءِ وَالتّشَهّدِ «أَمّا بَعْدُ» (رواه البخاري). • وَكَانَ يُقَصّرُ الْخُطْبَةَ وَيُطِيلُ الصّلَاةَ وَيُكْثِرُ الذّكْرَ وَيَقْصِدُ الْكَلماتِ الْجَوَامِعَ وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» (رواه مسلم). (مَئِنَّة: أَيْ عَلَامَة). • وَكَانَ يُعَلّم أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ كَمَا أَمَرَ الدّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ. (رواه البخاري ومسلم).وَنَهَى المتَخَطّيَ رِقَابَ النّاسِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ. (حسن رواه أبو داود). • وَكَانَ يَقْطَعُ خُطْبَتَهُ لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ أَوْ السّؤَالِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُجِيبُهُ ثُمّ يَعُودُ إلَى خُطْبَتِهِ فَيُتِمّهَا. وَكَانَ رُبّمَا نَزَلَ عَنْ المنْبَرِ لِلْحَاجَةِ ثُمّ يَعُودُ فَيُتِمّهَا كَمَا نَزَلَ لِأَخْذِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ﵄ فَأَخَذَهُمَا ثُمّ رَقِيَ بِهِمَا المنْبَرَ فَأَتَمّ خُطْبَتَهُ. (صحيح رواه الترمذي). • وَكَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السّبّابَةِ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ. (رواه مسلم). وَكَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ إذَا قَحَطَ المطَرُ فِي خُطْبَتِه. • وَكَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَجْتَمِعَ النّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ. • فَإِذَا دَخَلَ المسْجِدَ سَلّم عَلَيْهِمْ فَإِذَا صَعِدَ المنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلّم عَلَيْهِمْ. • ثُمّ يَجْلِسُ وَيَأْخُذُ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَامَ النّبِيّ ﵌ فَخَطَبَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ. • لَا يُحْفَظُ عَنْهُ ﵌ بَعْدَ اتّخَاذِ الْمِنْبَرِ أَنّهُ كَانَ يَرْقَاهُ بِسَيْفٍ وَلَا قَوْسٍ وَلَا غَيْرِهِ. (١) • وَكَانَ مِنْبَرُهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ وَكَانَ قَبْلَ اتّخَاذِهِ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَلما تَحَوّلَ إلَى المنْبَرِ حَنّ الْجِذْعُ حَنِينًا سَمِعَهُ أَهْلُ المسْجِدِ فَنَزَلَ إلَيْهِ ﵌ وَضَمّهُ. (رواه البخاري). • وَكَانَ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْإِقَامَةِ. • وَكَانَ يَأْمُرُ النّاسَ بِالدّنُوّ مِنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِنْصَاتِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّ الرّجُلَ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: «أَنْصِتْ» فَقَدْ لَغَا. (رواه البخاري ومسلم). • وَكَانَ إذَا فَرَغَ بِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ أَخَذَ النّبِيّ ﵌ فِي الْخُطْبَةِ وَلم يَقُمْ أَحَدٌ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ الْبَتّةَ، وَلم يَكُنْ الْأَذَانُ إلّا وَاحِدًا. • وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ كَالْعِيدِ لَا سُنّةَ لَهَا قَبْلَهَا وَهَذَا أَصَحّ قَوْلَيْ الْعُلماءِ وَعَلَيْهِ تَدُلّ السّنّةُ فَإِنّ النّبِيّ ﵌ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَإِذَا رَقِيَ المنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أُخِذَ النّبِيّ ﵌ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهَذَا كَانَ رَأْيَ عَيْنٍ، فَمَتَى كَانُوا يُصَلّونَ السّنّةَ؟!! • وَكَانَ ﵌ إذَا صَلّى الْجُمُعَةَ دَخَلَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ سُنّتَهَا وَأَمَرَ مَنْ صَلّاهَا أَنْ يُصَلّيَ بَعْدَهَا أَرْبَعًا. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبّاسِ ابْنُ تَيْمِيّة َ: إنْ صَلّى فِي المسْجِدِ صَلّى أَرْبَعًا وَإِنْ صَلّى فِي بَيْتِهِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ. قُلْتُ وَعَلَى هَذَا تَدُلّ الْأَحَادِيثُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ إذَا صَلّى فِي المسْجِدِ صَلّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلّى فِي بَيْتِهِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ (صحيح). وَفِي (الصّحِيحَيْنِ):عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنّ النّبِيّ ﵌ كَانَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِه وَفِي (صَحِيحِ مُسْلم) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ ﵌ إذَا صَلّى أَحَدُكُمْ

(١) قال الشيخ الألباني ﵀ في (السلسلة الضعيفة والموضوعة رقم٩٦٤): «لم يرد في حديث أنه ﵌ كان يعتمد على العصا أو القوس وهو على المنبر». وقال الشيخ ابن عثيمين ﵀: «الاعتماد إنما يكون عند = = الحاجة، فإن احتاج الخطيب إلى اعتماد، مثل أن يكون ضعيفًا يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فهذا سنة؛ لأن ذلك يعينه على القيام الذي هو سنة، وما أعان على سنة فهو سنة، أما إذا لم يكن هناك حاجة، فلا حاجة إلى حمل العصا. (الشرح الممتع على زاد المستقنع ٥/ ٦٣).

1 / 10

الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ»، وَاللهُ أَعْلم». اهـ بتصرف من (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن القيم ﵀. اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية مهما ملك الخطيب من أسباب البيان، وبلاغة الخطاب، ومهما كانت قوة عباراته وجزالة أسلوبه، فلن يَصِلَ إلى درجة تأثير القرآن في القلوب، وقرعه للعقول، وأين كلام البشر من كلام الله تعالى؟!! ولذا كان جديرًا بالخطيب أن يضمن خطبته الآيات القرآنية التي تزين خطبته، وتجلي حجته، وتجعله ينطق بالحق، فإن الاستشهاد بالآية، وتلاوتها في الوقت المناسب والموضع المناسب، إقامةٌ للحجة، وبيان وبرهان يأخذ بمجامع القلوب، ويشنف الأسماع، ويقرع العقول. وقد كان رسول الله ﵌ في كثير من الأحيان يجعل خطبته أو جُلها تلاوة سورة من القرآن لما يشتمل عليه من ابتداء الخلق والبعث، والحساب، والجنة، والنار، والترغيب والترهيب. أخرج مسلم في صحيحه عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُخْتٍ لها قَالَتْ: «أَخَذْتُ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ﵌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ». وعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ ﵂ قَالَتْ: «لَقَدْ كَانَ تَنّورُنَا وَتَنّورُ رَسُولِ اللهِ ﵌ وَاحِدًا سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ ﵌ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ» (رواه مسلم). (التنّور: الفُرن يُخبَزُ فيه). وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ ﵄ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﵌ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾» (رواه مسلم).

1 / 13

قال النووي ﵀ في شرحه: «فِيهِ الْقِرَاءَة فِي الْخُطْبَة وَهِيَ مَشْرُوعَة بِلَا خِلَاف، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبهَا وَالصَّحِيح عِنْدنَا (يقصد الشافعية) وُجُوبهَا وَأَقَلّهَا آيَة». قال الشيخ عبد الله البسام في توضيح الأحكام (٢/ ٣٣٤).: «وفيه مشروعية قراءة شيء من القرآن في الخطبة، وهي واجبة عند بعض العلماء، ومنهم الحنابلة، فلا بد من قراءة آية من كتاب الله، وفيه استحباب ترديد المواعظ لتذكير الناس في الخطبة، وأنفع ما يوعظ به العامة والعصاة هو ذكر الموت والبعث والجزاء». ومما ينبغي التنبيه له عند الاستشهاد بالآيات القرآنية في الخطبة ونحوها ما يلي: ١ - الحذر من الخطأ في تلاوة الآية، فإن هذا مما يعيب الخطيب، ويفسد عليه جمال أفكاره، وأهمية موضوعه، ويصرف السامع عن التأثر بالخطبة إلى التصحيح والنقد، وتتبع الأخطاء، فينبغي على الخطيب حفظ الآيات التي يستشهد بها في الخطبة حفظًا دقيقًا وسليمًا، فإن لم يتيسر له ذلك فلتكن مكتوبة يرجع إليها عند الحاجة، حتى ولو كان مرتجلًا لخطبته ارتجالًا. ٢ - الحذر من قراءة الآية بقراءة غير معروفة ولا مشهورة لدى السامعين، وإن كانت قراءة سبعية، فهذا من شأنه أن يشوش أذهان السامعين، ويصرفهم عن تدبر المعنى إلى الوقوف عند اللفظ، ومن كان محَدِّثًا للناس فليحدثهم بما يعرفون، وليترك ما ينكرون. ٣ - الحذر من الاستشهاد بالآية في غير موضعها، وإنزالها على غير واقعها، والتكلف في حمل الآية على حادثة معينة، أو على جماعة معينة، أو واقع معين مما يعد من التحريف، وتحميل الألفاظ فوق ما تحتمل، وعلى ذلك فلا بد من الاطلاع على تفسير الآيات من كتب التفسير المعتمدة، فلا أقل من أن يطلع على تفسير واحد من هذه التفاسير حتى يكون على علم بفهم السلف للآيات وتأويلها، مما يقيه من التأويلات الباطلة، والأقوال الواهية في ذلك، وليحذر من الاعتماد على تفاسير المبتدعين، من الباطنية، والمعتزلة، والصوفية، والشيعة ونحوهم.

1 / 14

٤ - الحذر من إقحام الآيات في مجال المخترعات الحديثة أو الصناعات والوسائل العلمية المستجدة ما لم يكن ذلك نصًّا أو معنًى راجحًا مرْضِيًّا من العلماء الأخيار، فإن ولوج ذلك الباب لا يخلو من التكلف والتعسف في لَيِّ النصوص وتحميلها ما لا تحتمل من المعاني، وهذا باب يستهوي كثيرًا من الخطباء رغبةً في التميز، وإعجاب الناس بسعة علمه، وثقافته، ودقة نظره، واستنباطه للطائف المعرفة، وهو أمر محفوف بالمخاطر، ربما فتح الباب للتأويلات الفاسدة، والتجرؤ على الخوض في أمور من العلم لا يحسنها. ٥ - الحذر أيضًا من التكلف في تطويع الآيات للمناسبات المختلفة سواء أكانت مناسبات عامة أو خاصة. ترتيل الآيات في الخطبة: قال البعض بمشروعية ذلك واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ (المزمل:٤) وبعموم قوله ﵌: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» (رواه البخاري). وقال الشيخ بكر أبو زيد - عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية سابقًا - ﵀: «مما أحدث الوعاظ، وبعض الخطباء في عصرنا، مغايرة الصوت عند تلاوة الآيات من القرآن لنسق صوته في الوعظ أو الخطابة وهذا لم يُعرف عن السالفين، ولا الأئمة المتبوعين، ولا تجده لدى أجلاء العلماء في عصرنا، بل يتنكبونه، وكثير من السامعين لا يرتضونه، والأمزجة مختلفة ولا عبرة بالفاسد منها، كما أنه لا عبرة بالمخالف لطريقة صدر هذه الأمة وسلفها» (١). قال الشيخ سعود الشريم: «بعض الخطباء حين استشهادهم في خطبهم ببعض الآيات، يقومون بترتيلها ولو كانت آيتين، فأقل بل إن بعضهم لا يكاد بمر بآية! إلا ويرتلها، ومحط السؤال هنا هو أنني لم أجد حسب بحثي القاصر ما يدل على هذا من سنة النبي ﵌ بل إنني وجدت أحاديث كثيرة يستشهد فيها النبي ﵌ بآية من القرآن

(١) بدع القُرَّاء القديمة والمعاصرة، ص٤٦.

1 / 15

ولم يأت فيها ما يدل على أنه كان يرتلها، ومعلوم أن الترتيل إنما يكون عند التلاوة ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ (المزمل:٤). ولذا فإنني لا زلتُ أبحث جاهدًا للوصول إلى نتيجة مقنعة تؤكد ما يذكره البعض من أن هذا بدعة في الخطب، إلا أن صعوبة التبديع تجعلني أتقاصر عن هذا البحث، ولكنني أقول: إن هذا خلاف سنة النبي ﵌ المعروفة عنه بالاستقراء سواء كانت في أثناء الخطبة أو في أثناء حديثه للصحابة ﵃، لا أعلم بعد التتبع ما يدل على أنه ﵌ كان يرتل الآية الواحدة أو الآيتين في الاستشهاد. والعلم عند الله تعالى. اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية لا يقِلّ الاستشهاد بالحديث النبوي أهمية عن الاستشهاد بالقرآن، فإن السنة شارحة للكتاب العزيز، مفصلة ومبينة لمُجْمَله، مخصِّصَة لعامِّه، ولا يستغني الخطيب عن دعم رأيه، وتقوية حجته بحديث النبي المعصوم ﵌، لكن عليه أن يراعي الأمور التالية عند الاستشهاد بالحديث النبوي: ١ - تجنب التحريف في المعنى والتكلف في حمل الحديث على غير ما يحتمله معناه لتقوية رأي، أو مذهب، أو جماعة، أو نصرة فئة على فئة. ٢ - تجنب ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والواهية، فإنه لا خير فيها، ولا نور عليها، بل إن ذكرها وحملها وتبليغها إلى الناس له دور خطير في نشر العقائد الفاسدة، والبدع والضلالات، لاسيما وأن العامة لا تمحيص ولا تثبت لديهم، فسرعان ما تنتشر مثل هذه الأمور فيما بينها لتعلقها بالغرائب، مع الاستهانة بما يترتب عليها من مفاسد. ولا يُعفي الخطيب من التبعة أن يكون حسن النية سليم القصد، هدفه التأثير في القلوب، والترغيب في الإصلاح فإن الغاية المشروعة لا تسوغ الوسيلة المحرمة،

1 / 16

وقد وقع قوم من جهلة العباد والمتنسكة في هذه الخطيئة حيث زعموا أنهم يكذبون لرسول الله ﵌ لا عليه، ويكذبون للإصلاح لا للإفساد، ويكذبون حسبة للخير كما فعل نوح بن أبي مريم، وهو الذي وضع الأحاديث في فضائل القرآن سورةً سورةً. وفي الصحيح غُنْيَة عن الضعيف، ولا يخفى ما في نشر الأحاديث الضعيفة من آثار سيئة على الأمة في عقيدتها وفي سلوكها، فكم من حديث ضعيف أو واه، تناقله الناس محتجين به اعتمادا على إيراد الخطيب له، وكم من عادة تشبث بها الناس كان مستندها حديثًا ضعيفًا. إن الخطيب إذا لم يكن من أهل العلم فعليه أن يرجع إلى كتب الحديث التي تقتصر على الأحاديث الصحيحة مثل صحيح البخاري، وصحيح مسلم، أو الرجوع إلى الكتب المعتمدة التي تكون الأحاديث فيها مخرجة تخريجًا علميًا مبينًا فيها درجة الحديث من الصحة والضعف. ولا يجوز العمل بالحديث الضعيف عند الأئمة المحققين كابن معين والبخاري ومسلم وابن العربي وابن حزم وابن رجب وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وغيرهم كثير وكثير. • أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين: قال الشيخ الألباني ﵀: «إن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الابتداع في الدين، فإن كثيرًا من العبادات، التي عليها الناس اليوم، إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديث الواهية، بل والموضوعة، كمثل التوسعة يوم عاشوراء، وإحياء ليلة النصف من شعبان، وصوم نهارها وغيرها وهي كثيرة جدًا» (١). ذكر الإمام الشاطبي ﵀ أن من طرق المبتدعة في الاستدلال: اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة، والمكذوب فيها على رسول الله ﵌، ثم قال:

(١) صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الألباني، ص٢٣.

1 / 17

«والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي ﵌ قالها، فلا يمكن أن يُسنَد إليها حكم، فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب؟ ... وهذا على فرض ألا يعارض الحديثَ أصلٌ من أصول الشريعة، وأما إذا كان له معارض فأحرى ألا يُؤخَذ به». (١) * قال الشيخ الألباني: «لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مع بيان ضعفه، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله ﵌: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أنَهُ كَذِبٌ فَهُوَ أحَدُ الكَاذِبَيْنِ» رواه مسلم. واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين: إما أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا يُنبّه على ضعفها فهو غاشّ للمسلمين وداخل حتمًا في الوعيد المذكور، وإما أن لا يعرف نسبتها فهو آثم أيضًا لإقدامه على نسبتها إليه ﵌ دون علم وقد قال ﵌: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلّ مَا سَمِعَ» (رواه مسلم). وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن لم يكن عارفًا». (٢) * قال الشيخ أحمد شاكر ﵀: «من نقل حديثًا صحيحًا بغير إسناده وجب أن يذكره بصيغة الجزم فيقول مثلًا: «قال رسول الله ﵌» وأما إذا نقل حديثًا ضعيفًا أو حديثًا لا يعلم حاله، أصحيح أم ضعيف، فإنه يجب أن يذكره بصيغة التمريض كأن يقول: «رُوِى عنه كذا» أو «بلغنا كذا». وإذا تيقن ضعفه وجب عليه أن يبين أن الحديث ضعيف؛ لئلا يغتر به القارئ أو السامع، ولا يجوز للناقل أن يذكره بصيغة الجزم، لأنه يوهم غيره أن الحديث صحيح، خصوصًا إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يثق الناس بنقلهم». (٣) •

(١) الاعتصام ١/ ٢١٧ - ٢١٨. (٢) تمام المنة في التعليق على فقه السنة للشيخ الألباني، ص٣٣ - ٣٤. (٣) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: ص٩٠.

1 / 18

هل تكفي كلمة «رُوي» أو «بلغنا» ونحوهما؟ قال الشيخ الألباني: «أرى أن هذا لا يكفي اليوم لغلبة الجهل، فإنه لا يكاد يفهم أحدٌ من كتب المؤلف أو قول الخطيب على المنبر: «رُوي عن رسول الله ﵌ كذا وكذا» أنه حديث ضعيف، فلابد من التصريح بذلك كما جاء في أثر على ﵁ قال: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ» أخرجه البخاري» (١). • لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملًا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع» (٢). • معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «مراد العلماء من العمل بالحديث الضعيف في الفضائل: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك، فإذا رُوي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها، وكراهة بعض الأعمال وعقابها، فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا رُوي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب، أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح، لكن بلغه أنها تربح ربحًا كثيرًا فهذا إن صدق نفعه، وإن كذب لم يضره» (٣).

(١) صحيح الترغيب والترهيب: ص٢١. (٢) مجموع الفتاوى:٩/ ٣٢٨. (٣) مجموع الفتاوى:٩/ ٣٢٨.

1 / 19

لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرًا وتحديدًا، مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة لم يجُز؛ لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي». (١) • شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به: ١ - أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه. ٢ - أن يكون مندرجًا تحت أصل عام، فيخرج ما يُخترع بحيث لا يكون له أصل أصلًا. ٣ - أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته؛ لئلا ينسب إلى النبي ﵌ ما لم يَقُله. (٢) * قال الشيخ الألباني: «هذه الشروط توجب على أهل العلم والمعرفة بصحيح الحديث وسقيمه أن يميزوا للناس شيئين هامين: الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة، والآخر: الأحاديث الشديدة الضعف من غيرها» (٣) • هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؟ قال الشيخ الألباني ﵀: «الخلاف في ذلك معروف، فإن بعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقًا، لا في الأحكام ولا في الفضائل، قال الشيخ القاسمى ﵀ في (قواعد التحديث) (ص٩٤): «حكاه ابن سيِّد الناس في عيون الأثر عن يحيى بن معين، ونسبه في (فتح المغيث) لأبي بكر بن العربي، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضًا ... وهو مذهب ابن حزم ...» قلت (أي الشيخ الألباني): وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي». (٤)

(١) مجموع الفتاوى ٩/ ٣٢٩. (٢) صحيح الترغيب والترهيب، ص١٨، عن القول البديع للإمام السخاوى:١٩٥. (٣) صحيح الترغيب والترهيب: ص١٨. (٤) تمام المنة في التعليق على فقه السنة، ص٣٤.

1 / 20

* قال الحافظ ابن حجر: «لا فرق في العمل بالحديث الضعيف في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع» (١). * قال الشيخ أحمد شاكر: «لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله ﵌ من حديث صحيح أو حسن» (٢). اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال المراد بضرب المثل هنا سَوق الصور، والقصص، والوقائع المتشابهة، ليستدل بالحاضر على الغائب، وبالمحسوس على غير المحسوس، أو بالمحسوس من الصور الوقائع على نظائرها وأشباهها، والمقصود من ضرب المثل تقريب الأمر للمخاطب، وترسيخه في ذهنه لتحصل العبرة والعظة من ذلك. لذا نجد أن القرآن الكريم أكثر من ضرب الأمثال، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ (الروم: ٥٨). وضرب الله تعالى المثل بالعنكبوت، والبعوضة، والذباب، وغير ذلك، وكل أمثال القرآن عظيمة مؤثرة، تأخذ بالقلوب، وتهز النفوس، وتجسد المعاني في صور ماثلة للعيان كأن المرء يحسها ويلمسها بيده. ولْيَحذر الخطيب في هذا من الإكثار من الأمثال الشعبية، أو ذكر الأمثال الساقطة والمبتذلة، وما يشتمل على سوء أدب، أو إيذاء للأسماع، فإن ذلك سيئ الأثر على النفوس، وربما أدى إلى تثبيت وتأكيد مفاهيم اجتماعية خاطئة، أو مخالفة للشرع، ويكون الخطيب بذكرها أحد المروجين والناشرين لها.

(١) تبيين العجب ص٣، ٤. (٢) الباعث الحثيث، ص٩١.

1 / 21

ولا ريب أن مِن أكثرِ الأمثال تأثيرًا في نفوس السامعين ما كان منتزعًا من واقعهم لصيقًا بعادتهم، سائرًا في حياتهم معبرًا عن مشكلاتهم. الاستشهاد بالشعر في الخطبة ومما يزين الخطبة، ويزيد من التأثر بها لدى السامع استشهاد الخطيب بالشعر، إن الشعر في موضعه يشد السامع ويلهب عاطفته، ويحرك نفسه، وفي الحديث الصحيح عن أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵌ قَالَ: «إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً» (رواه البخاري). ومن أول أغراض الشعر أن يكون في المواعظ، والأمثال، والآداب، والأخلاق، والحث على الجهاد أو الإنفاق، أو خلالِ الخير المتنوعة، وكذلك ما يرقق القلوب من شعر الزهد، والقناعة، والتذكير بالآخرة والجزاء. * سُئِل الشيخ ابن باز ﵀: هل الاستشهاد ببعض الشعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق والجهاد في سبيل الله أمر مشروع؟ فقال ﵀: لا شك بذلك، يقول النبي ﵌: «إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً» (رواه البخاري).، وكان النبي ﵌ ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد ينشد معهم ﵌: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقْنا ولا صلَّيْنا فأنزلَنْ سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقَيْنا إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبَيْنا كان رافعًا بها صوته يقول: أبَيْنَا، أبَيْنَا، أبَيْنَا، كما أن ﵊ أنشدهم وهم يحفرون الخندق. فالمقصود أن إنشاد الشعر الحق الطيب في الخطب والمواعظ والمحاضرات وخطب الجمعة والأعياد لا بأس به لأنه يؤثِّر ويحصل به خير عظيم». (١)

(١) جريدة المدينة العدد ٩١٧٠.

1 / 22