[22] - قال محمد بن الحسين رحمه الله: (1) من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه، وزوجته وإخوانه وقرابته وإن قال قائل:
ولم يجفونني، وأنا لهم حبيب، وغمهم بفقدي (2) إياهم إياي شديد؟ قيل:
لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم للدنيا وشدة حرصهم عليها ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك به (4)، الحق جفا عليهم أمرك فالأبوان متبرمان (5) بفعالك والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك، والإخوان والقرابة فقد (6) زهدوا في لقائك فأنت بينهم مكروب محزون، فحينئذ نظرت إلى نفسك بعين الغربة، فأنست بأمثالك: من الغرباء واستوحشت من الاخوان والأقرباء، فسلكت الطريق إلى الله عز وجل الكريم وحدك فإن صبرت على خشونة الطريق أياما يسيرة، واحتملت الذل والمداراة مدة قصيرة، وزهدت في هذه الدار الحقيرة أعقبك الصبر أن ورد بك إلى دار العافية، أرضها طيبة، ورياضها خضرة، وأشجارها مثمرة، وأنهارها عذبة (فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين) (7)
Страница 43