تأكدت زهيرة أن زوجها سيكون غائبا عن البيت في يوم الأربعاء، فاختارت هذا اليوم لتدعو إلى الشاي جميع اللواتي اتهمنها بالعيون اللائمة أو العيون المتسائلة أو العيون المتلصصة، أو بالابتسامة الخبيثة. وأصرت أن تدعو اللواتي تجرأن وسألنها كيف حال صديق لماذا لا نراه؟ وكان هذا السؤال غريبا؛ لأن صديق كان بالنسبة لصويحباتها شبحا يسمعن عنه ولا يرينه منذ قدم إلى البيت.
دعت أولئكن جميعا وأعدت لهن حفلة شاي باذخة أكثرت فيها من الفاكهة واختارت التفاح بالذات، وذهبت خصيصى إلى من يسن السكاكين فيجعلها بالغة الحدة، وذهبت أيضا إلى أحد المصورين وأعطته صورة صغيرة عندها وطلبت إليه أن يكبرها فيجعلها بالحجم الطبيعي.
وجاءت المدعوات وقدمت إليهن التفاح وانتظرت حتى بدأن يقشرن التفاح، وأزاحت الستار عن الصورة المكبرة لصديق، فبدت الصورة وكأن صاحبها هو الماثل لا الصورة. وارتبكت السكاكين في أيدي النسوة وقطعن أيديهن وتصايحن: هذا ملاك، لم نر مثل هذا الجمال، ليس هذا من البشر. - لا تلمنني إذن وأنتن قطعتن أيديكن.
وسترت الصورة، وفهم المدعوات أنه لا معنى لبقائهن بعد ذلك؛ فقد أسدل الستار على نهاية التمثيلية التي ألفتها زهيرة.
وفي المساء اقتحمت زهيرة على وجدي غرفته، وأصابه ارتباك شديد وراح ينتظر ماذا هي قائلة له، ولم تقل كثيرا: هذا جواز سفري. - ما له؟ - أريد تأشيرة للأراضي الحجازية. - ما زال الوقت بعيدا عن الحج. - سأقيم هناك حتى موعد الحج وأؤدي الفرض. - من الآن إلى موعد الحج؟
وفي حسم قاطع: نعم.
وفي خضوع حازم: أمرك.
16
نال صديق شهادة البكالوريوس، ويوم أن أبلغه وجدي بالنتيجة وبشره أنه نالها بدرجة الامتياز قال له شيئا عجيبا: يا صديق أنا أعرف أنك على قدر كبير من العلم والحكمة، وأنك موصول الأسباب بالله سبحانه وتعالى. - الحمد لله. - رأيت رؤيا. - قلها؛ فكل رفاقي في السجن يلجئون إلي لأفسر لهم ما يرون من رؤى، فهم كما تعلم لا يرون من الدنيا شيئا إلا عندما ينامون.
قال وجدي: رأيت كأنني في صحراء عريضة وحدي أشعر بالوحشة الشديدة والانفراد، ثم فجأة رأيت كأنما تنبت الصحراء حولي نوعا عجيبا من النبات أحاط بي كالسوار، فجريت إلى أعواد النبات أحاول أن أزيحها فإذا هي أعواد من حديد صلب لا يلين ولا ينثني، وقد التصق كل عمود منه بالآخر كأنه حائط لا فراغ فيه، وفجأة اخترق هذا الحائط الحديدي جماعة من النمور كانت تخترق الحديد وتدخل منه، ثم يعود الحديد إلى الالتئام وكأنه ما لان للنمور ولا انفرج عنها، والتفت النمور حولي وملأني الرعب، ورحت أدور بعيني في عيون النمور فأجد غضبا عارما وأجد نيرانا لاهبة وصرخت، وصحوت، ما هذه الرؤيا؟ - اسمع، أنا عرفت الرؤيا، ولكن لن أعبر لك عنها إلا عندما تأتي إلي في المرة القادمة، وتخبرني أنني عينت مستشارا ماليا لوزارة الزراعة. - حددت المنصب؟ أيعقل أن تعين في هذا المكان وأنت متخرج في هذا العام؟ - لا عليك، اجعلني أقابل وزير الزراعة ولن أطلب منه تعييني إلا بالدرجة التي يؤهلني لها تخرجي، ولكنني أعرف في نفسي أنني خبير في هذا المكان، وأنني سأفيد مصر فائدة عظمى فيه. - وما شأن هذا بالرؤيا؟ - إن له شأنا أي شأن. - ما ترى. - وشيء آخر. - ماذا؟ - لقد قضيت هنا أربع سنوات، وأنت أخبرتني أن السيدة حرمك أصبحت لا تترك فرضا من فروض الله إلا أدته، وأنها دائبة على قراءة القرآن، وأنها أصبحت إنسانا آخر. - هذا حق. - فلا معنى لبقائي هنا إذن؟ - أنا تحت أمرك. - أخرج الآن معك. - لك هذا، بيتي تحت أمرك. - بل تضعني في حجرة مفروشة. - هيا بنا. •••
Неизвестная страница