Пища умов
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Издатель
مؤسسة قرطبة
Номер издания
الثانية
Год публикации
1414 AH
Место издания
مصر
Жанры
Суфизм
مِنْهَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ قَالَ: وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ مَا تَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي رَجُلٍ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَعَلِقَ حُبُّهَا بِقَلْبِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَقَالَتْ لَهُ نَفْسُهُ هَذَا كُلُّهُ مِنْ أَوَّلِ نَظْرَةٍ، فَلَوْ أَعَدْت النَّظَرَ إلَيْهَا لَرَأَيْتهَا دُونَ مَا فِي نَفْسِك فَسَلَوْت عَنْهَا، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ ثَانِيًا لِهَذَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: فَكَانَ الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَجُوزُ هَذَا لِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ اللَّهَ ﷾ أَمَرَ بِغَضِّ الْبَصَرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ الْقَلْبِ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَى الْعَبْدِ.
(الثَّانِي): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ فَأَمَرَ بِمُدَاوَاتِهِ بِصَرْفِ الْبَصَرِ لَا بِتَكْرَارِ النَّظَرِ.
(الثَّالِثُ): أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَهُ الثَّانِيَةُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ دَاؤُهُ مِمَّا لَهُ وَدَوَاؤُهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ.
(الرَّابِعُ): أَنَّ الظَّاهِرَ قُوَّةُ الْأَمْرِ بِالنَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ لَا نَقْصُهُ وَالتَّجْرِبَةُ شَاهِدَةٌ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا رَآهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَا تَحْسُنُ الْمُخَاطَرَةُ بِالْإِعَادَةِ.
(الْخَامِسُ): رُبَّمَا رَأَى فَوْقَ الَّذِي فِي نَفْسِهِ فَزَادَ عَذَابُهُ.
(السَّادِسُ): أَنَّ إبْلِيسَ عِنْدَ قَصْدِهِ لِلنَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ يَقُومُ فِي رِكَابِهِ فَيُزَيِّنُ لَهُ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ لِتَتِمَّ الْبَلِيَّةُ.
(السَّابِعُ): أَنَّهُ لَا يُعَانُ عَلَى بَلِيَّةٍ إذَا أَعْرَضَ عَنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَتَدَاوَى بِمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ جَدِيرٌ أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْهُ الْمَعُونَةُ.
(الثَّامِنُ): أَنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَشَدُّ سُمًّا فَكَيْفَ يَتَدَاوَى مِنْ السُّمِّ بِالسُّمِّ.
(التَّاسِعُ): أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَقَامِ فِي مَقَامِ مُعَامَلَةِ الْحَقِّ ﷿ فِي تَرْكِ مَحْبُوبِهِ كَمَا زَعَمَ، وَهُوَ يُرِيدُ بِالنَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالَ الْمَنْظُورِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْضِيًا تَرَكَهُ، فَإِذًا يَكُونُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ غَرَضَهُ لَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَأَيْنَ مُعَامَلَةُ اللَّهِ ﷾ بِتَرْكِهِ الْمَحْبُوبَ لِأَجْلِهِ.
1 / 92