Пища умов
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Издатель
مؤسسة قرطبة
Номер издания
الثانية
Год публикации
١٤١٤ هـ / ١٩٩٣م
Место издания
مصر
فَسَادُهَا وَلَكِنْ فِي الْمَعْنَوِيِّ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَاقِصٌ.
[الْكَلَامُ عَلَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ]
وَلِمُلَاحَظَةِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ» بَدَأَ مَنْظُومَتَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ
بِحَمْدِكَ ذِي الْإِكْرَامِ مَا رُمْت أَبْتَدِي ... كَثِيرًا كَمَا تَرْضَى بِغَيْرِ تَحَدُّدِ
(بِحَمْدِك) أَيْ بِوَصْفِك الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْحَمْدُ لُغَةً: هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الشُّكْرُ لُغَةً فَهُوَ: الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ، وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ. فَبَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا كَانَ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، وَيَتَفَرَّدُ اللُّغَوِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، وَيَنْفَرِدُ الْعُرْفِيُّ بِصِدْقِهِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ.
فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ أَعَمُّ وَهُوَ اللِّسَانُ وَالْأَرْكَانُ، وَمُتَعَلِّقُهُ أَخَصُّ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، وَالْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ عَكْسُهُ، وَالْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ مَعَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ، إذْ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ هُوَ الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ كَمَا عُلِمَ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلِذَا جُعِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ الْمُصْحَفِ لِافْتِتَاحِهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَتَضَمُّنِهَا الثَّنَاءَ عَلَيْهِ ﷾. وَنَقِيضُ الْحَمْدِ الذَّمُّ، وَنَقِيضُ الشُّكْرِ الْكُفْرُ.
(ذِي) أَيْ صَاحِبِ (الْإِكْرَامِ) فَذِي بَدَلٌ مِنْ الْكَافِ فِي بِحَمْدِكَ، وَالْإِكْرَامِ مُضَافٌ إلَيْهِ أَيْ مُكْرِمِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِلُطْفِهِ وَمِنَّتِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(مَا) مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ (رُمْت) مِنْ الرَّوْمِ وَهُوَ الطَّلَبُ كَالْمَرَامِ (أَبْتَدِي) أَيْ
1 / 18