وهكذا فقد بيَّنت هذه السرية مقدار ضخامة التضحيات الجِسَام التي كان يُقَدِّمها سلفنا الصالح - رضي الله تعالى عنهم، في سبيل نشر الدعوة إلى الله ﷿، تلك التضحيات العظيمة تكرَّرت في أكثر من مناسبة، وعلى أكثر من موقع، فبالأمس فقدت الدَّعوة فرسانًا لها أبرارًا في الرجيع، وبئر معونة، واليوم في ذات أطلاح، وغدًا في مكانٍ آخر".. وهكذا دواليك دون أن تتوقَّف الدَّعوة، إذ لابدَّ من تبليغ الدَّعوة إلى الله ﷿ مهما كانت التضحيات".
والله تعالى أعلم".
قال: بلى، ولكني استكثرته. قلت: لتردَّنه عليه، أو لأُعَرِّفَنَّكها عند رسول الله ﷺ، فأبى أن يردَّ عليه"١.
وهكذا استطاع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، بتوفيقٍ من الله، ثُمَّ بحنكته وتدبيره، أن يحتفظ بتوازن المعركة حتى الليل.
[٧١] "ثُمَّ أصبح غازيًا، قد جعل مقدّمته ساقه، وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، فأنكروا ما جاء به من خلاف ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم وقالوا: قد جاءهم مدد"٢.
فرعبوا، ولسان حالهم يقول: "إذا كان المسلمون على قلَّتهم، قد فعلوا ما فعلوا بالأمس، فكيف وهم اليوم قد جاءهم المدد، وازداد العدد؟!.
لقد أحجم الروم عن الهجوم، وكذلك لم يهاجمهم خالد، فقد كان يريد أن يخرج من المعركة غير المتكافئة بجيشه سليمًا، ويُرْعِب العدوَّ حتى لا يلاحقه في تراجعه، فلمَّا اطمأنَّ إلى نجاح خطته تراجع بقوَّاتِه، وبَعُدَ بها حتَّى صارت في مأمنٍ"٣.
وهكذا:
[٧٢] "انحاز الفريقان كُلٌّ عن كُلٍّ قافلًا عن غير هزيمة، فقفل المسلمون على طريقهم التي أبدوا منها، حتَّى مرُّوا بتلك القرية،