فإنه قد انتظم بتصنيفه عامة ما يحتاج إلى تفسيره من مشاهير غريب الحديث، فصار كتابه إماما لأهل الحديث، به يتذاكرون، وإليه يتحاكمون، ثم انتهج نهجه ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم، فتتبع ما أغفله أبو عبيد من ذلك، وألف فيه كتابا لم يأل أن يبلغ به شأو المبرِّز السابق، وبقيت بعدهما صبابة للقول فيها متبرض، توليتُ جمعها وتفسيرها مستعينا بالله ومسترسلا إلى ذلك بحسن هدايتهما وفضل إرشادهما، وبما نحوته نم التيمم لقصدهما والتقيُّل لآثارهما، وكان ذلك مني بعد أن مضى عليَّ زمان وأنا أحسب أنه لم يبق في هذا الباب لأحد متكلم، وأن الأول لم يترك للآخر شيئا، وأتكل مع ذلك على قول ابن قتيبة حين يقول في آخر الخطبة من كتابه (وأرجو ألا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحد فيه مقال).
ثم إنه لما كثر نظري في الحديث، وطالت مجالستي أهله، ووجدت فيما يمر بي ويرد علي منه ألفاظا غريبة لا أصل لها في الكتابين، علمت أن خلاف ما كنت أذهب إليه من ذلك مذهبا، وأن وراءه مطلبا فصرفت إلى جمعها عنايتي، ولم أزل أتتبع مظانها وألتقط آحادها وأضم نشرها، وألفق بينها، حتى اجتمع منها ما أحب الله أن يوفق له، واتسق الكتاب، فصار كنحو من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه، ونحوت نحوهما في الوضع والترتيب، وابتدأت أولا بتفسير حديث رسول الله ﷺ، ثم ثنيت بأحاديث الصحابة، وأردفتها أحاديث التابعين، وألحقت بها مقطعات من الحديث، لم أجد لها في الرواية سندا، إلا أنها قد أخذت عن المقانع من أهل العلم،
1 / 48