وفي يوم آخر، عاد هنري واليصابات من زيارة قاما بها في الأنحاء المجاروة عند غروب الشمس، وفي أثناء عودتهما كادت سيارتهما تدهس عجوزا كانت تسير عند حافة الطريق، ونزل الاثنان بسرعة من السيارة يقدمان المساعدة للعجوز التي أصيبت بالخوف أكثر مما أصيبت بضر، وكانت من طائفة «الغجر».
ونظرت «الغجرية» إلى الفتاة بسرعة وقالت لها بلغة إنجليزية لا تكاد تفهم: أعطني يدك.
وقدمت إليها اليصابات يدها، فأخذت العجوز تسرد على مسامعها أشياء عن الماضي، وقالت لها: لك ثلاثة إخوة وأختان. يجب أن تعني جيدا بصحة والدتك. أنت تمتلكين ثلاثة منازل منها اثنان لا بأس بهما، وثالث يجلب الشر.
وشحب وجه الفتاة وأرادت أن تسحب يدها، إلا أن الغجرية أمسكت بها بأصابع حديدية واستمرت تنظر فيها، وفجأة سمعت اليصابات العجوز وهي تصيح بها: سوف تصبيحين ملكة! وسوف تصبحين أم ملكة كبيرة!
ونظر الاثنان، هنري واليصابات، إلى بعضهما في حيرة، ولما انتهى كل منهما من النظر إلى الآخر وأخذا في البحث عن العرافة لم يجدا لها أثرا، وكان الليل قد أرخى سدوله.
ملاك الرحمة
بدأت الملكة ماري بعد ذلك تلاحظ ما بدا من اهتمام ولدها الثاني ، الأمير هنري، ببلاد اسكتلندا، وعرفت بالطبع سر هذا الاهتمام؛ ففاتحت زوجها الملك جورج الخامس باكتشافها، وسر الملك للخبر؛ إذ إنه كان يشعر دائما أن ولده الثاني هو أقل أولاده اختلافا عنه، حتى إنه كان يطلق عليه لقب «الأمير الرزين».
كان الأمير الرزين يبدي اهتماما بالعلوم الميكانيكية والاقتصاد السياسي، وكان حاضر الذهن والبديهة فيما يعرض من أمور تستدعي التفكير الدقيق.
على أن الأمير هنري كان يشكو عيبا صغيرا في نطقه هو أشبه باللجلجة؛ ولذلك كان لا يتكلم كثيرا، ويكتم شعوره في داخل نفسه؛ فيبدو لمن لا يعرفه جيدا بارد العاطفة غير متقد الإحساس. ولا يزال الملك يذكر إلى اليوم كيف وجه إليه أحد أساتذته في دارتموث هذا السؤال: ما هو نصف النصف؟
وسكت تلاميذ الفرقة استعدادا لسماع إجابة زميلهم الأمير، ولكنه شعر بأن فمه المغلق لن يفتح ليجيب على السؤال، وقد ظن المدرس أن سكوت الأمير دلالة جهله، وأعلن أن استعداده لدراسة العلوم الرياضية قاصر جدا.
Неизвестная страница