المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد قال علي بن ظافر الأزدي ثم الخزرجي: لم أزل في كل أوان وزمان أسمع من أوصاف المآثر الملكية الأفضلية، والمناقب النورية السلطانية، ما تتأرج بذكره المحاضر، ويفتتن به البادي والحاضر، وأشاهد من آثاره ما تثنى عليه الخناصر، ويعجب من صدوره من شخص تألفت عليه العناصر، فأكاد أطير إلى تلك الحضرة من الشوق، ويهم عمرو للتوق أن يشب عن الوطوق. حتى اتفق لي أن مثلت الحضرة الناصرية، خلد الله لمالكها الملك، وملكه الخلد، وأمده العلو، وأعلى له الأمر، لعزمة كانت من مهمات القلب أمضاها، وحاجة في نفس يعقوب قضاها، فحللت بمقامه الأسمى مادحًا، ونزلت على دوحة فضله الباسقة صادحًا، فرأيت مجدًا تقصر دونه مدى بلاغتي النظم والإنشاء، وجودًا خضرمًا لا يحتاج وارده إلى تطويل الرشاء، وحلمًا لا تجلجله رياح الغضب، وعزمًا لا تدعيه على صولتها القبض، فاخضرت لما حللت بجنابه سنى الغبر، ولما التقينا صدق الخبر الخبر: وأهديت إلى جانبه الأسمى - نصر الله عزه وأعز نصره وقدر علوه، وأعلى قدره - تحف مدائحي الغر، وقصائدي المزرية ببهجة الزهر، وغمرت النجوم الزهر. وخدمت مقامه بهذا الكتاب، الذي ما أظن قريحة أتت بمثاله فيما سلف من الزمن، ولا أظن أن أحدًا يجمع مثله فيما بعد. وأين من بعد أن قدمت قبله هذه القصيدة، وأودعتها نوعًا من جنس ما أودعته فيه من غريب التشبيه، ورفعتها صحبته يوم الأحد لخمس خلون

1 / 1

من شهر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة بالعسكر المنصور على تل الحجل بمرج عكا وهي في صفة العسكر: طربتُ إلى المعسكر بالشآم ... ومشيي بين أطنابِ الخيام لدى بيضٍ قوادمهنَّ تهفو ... تلوحُ لناظري مثلَ الحمام كأن الأرض أدحيُّ إذا ما ... حكتْ بخيامها بيضَ النعام ولاحت خيمةُ السلطانِ فيها ... بحرمتها كبرقٍ في غمام حكتْ وسطى من الياقوتِ لما ... بدوا مثل اللآلئ في انتظام فتحكي ربوةً سترتْ بنبتِ الش ... قائقِ حين لاح من الكمام عجبتُ لها ترى الآسادَ تبدي ال ... خضوعَ بها لوافرةِ السنام إذا اصطفت ظباءُ الترك فيها ... جفوتَ لحسنهمْ كل الأنام وإن شبهتَ مالكها بليثٍ ... عجبتَ لأنس غزلانٍ قيام وكم بدرٍ بأفقِ قباهُ يسري ... يجررُ ذيلَ شعرٍ كالظلام ويطعنُ كل قلبٍ من هواهُ ... سنانٌ جاء من رمحِ القوامِ ولونُ عذاره المخضر أضحى ... لحمرةِ خده مثل الفدام يخط لعاشقيه لا وصالٌ ... ألم تنظر إلى ألف ولامِ وإن جاءَ القتالُ رأيتَ يوم ال ... ركوب من الأعاجيب العظام فكم شمسٍ تجر هلالَ قوسٍ ... فترسلُ محرقًا شهب السهامِ وكم في النقع ظبي فوق طرف ... كبدر فوقَ برق في ظلامِ

1 / 2

وكم من مغفر من فوقِ خدٍّ ... بهى كالحبابِ على المدامِ وكم يهتز فيه غديرُ درعٍ ... يسقى غضنَ بانٍ من قوام وصفتُ الكوس لا تنساهُ رعدٌ ... له قطرٌ من النشابِ هام ويقطعُ مرج عكا كل طلبٍ ... كرضوى حينَ يطلعُ أو شمامِ ويبدو المرجُ والرايات صفرٌ ... تحاكي لونه غبَّ الغمامِ ترى حمر البيارق فيه تبدي ... عجاجًا كالدخانِ على الضرامِ وإن صفرٌ بدتْ لك في عجاجٍ ... رأيت التبر يسكنُ في الرغام ووقتَ الزحفِ تنظرُ كل ليثٍ ... لديه سيفه كالنابِ دام إذا ما قالَ كم حطمت ألفًا ... فإن القولَ ما قالتْ حذامِ ويعذر رمحه إن ماسَ سكرًا ... ألم يكرع من الدم في مدام وعكا قد حكتْ بكرًا شموسًا ... تسدُّ ففتحها صعبُ المرامِ وخندق عسكرِ الإفرنجِ يحكي ... عليه الخيلُ درًا في نظام تراه خلفه الكومانُ يبدو ... كمنطقة علت ردفى غلام وخيلُ الشركِ تركضُ خلفه في ... ذيولِ خيامهنَّ على الدوامِ

1 / 3

يثرن إذا ركضنَ عليه نقعًا ... بلا فعل حكى سحبَ الجهامِ وكم مستأمن قذْ فرَّ منهمْ ... لأجلِ الجوعِ أو طولِ المقامِ وكمْ من فارس منهم قتيلًا ... ولا قبرٌ له غيرُ القتام إذا قصفُ الرماح عليه لاحتْ ... بدا مثلَ الحريص على الحطام أظنُّ الله ما أفناهُ إلا ... بسيفِ عليٍّ الملكِ الهمام هو الملكُ الجسيمُ البأسِ أضحى ... يقارنه مع النعم الجسام هو البدرُ الذي ما زال يدني ... شهاب الرمحِ أو برق الحسام تراه سافرًا في الحربِ لكن ... يلوحُ من العجاجةِ في لثام إذا زفتْ إليه عروسُ حربٍ ... جفا في وصلها طيبَ المنام وسؤددُ نفسه ما زال يزري ... بما قد جازَ منه على عصامِ أيا ملكَ الملوك ولا أحاشي ... ويا خير الأنام ولا أحامي عجبتُ لنار عزمكَ كيف تبقى ... ولا تطفى وبحرُ نداكَ طامي وأعجبُ منه أمنُ الناسِ لما ... رأوكَ وأنت كالليثِ المحامي يحلُّ الدرُّ في الحصباءِ قدرًا ... محلك إذا تضافُ إلى الكرام ومن سواكَ فضلًا مع مليكٍ ... كمنْ سوى الحسام مع الكهام وهل نجمُ السها في الجو نورًا ... يقاس ببهجة البدر التمام وقد سيرتُ نحوكَ بنتَ فكري ... عروسًا ما تزفُّ إلى اللئام لقد وشحتها بحلى المعاني ... كما ألبستها حلل الكلام

1 / 4

وقد أبتعها أيضًا كتابًا ... بعثتُ به إلى الهمم السوامي أتى ليسوق لي سحبَ العطايا ... كفعل الريح بالغيثِ الرهام فعجلْ لي بجودكَ يا مليكَ ال ... أنامِ فقد أطلتُ له مقامي ودونك فاستمع سحرًا حلالًا ... أتى يلهي عن السحر الحرام فخيرُ الشعر أكرمه رجالًا ... وشر الشعر أقوالُ الطغام وعش لا زلتَ مجتنب الرزايا ... ودمْ لا زلتَ مرعيَّ الذمام بسم الله الرحمن الرحيم. عونك اللهم. أما بعد حمدًا لله العزيز القهار، عالم خفايا الأسرار، وبوادي الأجهار المنزه غيبه عن الإشهار والإظهار، مقدر كل ما يحدث في سواد الليل وبياض النهار المتكفل للإسلام بأعلى المنار، المؤلف بين قلوب أهله فأصبحوا بنعمته إخوانًا، بعد أن كانوا على شفا جرف من النار، الذي لا ينجو مما قدره دان ولا عال، ولا يحصن مما يريده سهول الظباءِ ولا أوعار الأوعال. أشهد أنه لا إله إلا هو الكبير المتعال، والصلاة على محمد نبيه وعبده، وعلى أصحابه الذين هم أفضل الخلق من بعده، فإن الأرض لما أخذت زخرفها وازينت، وظهرت علامات سعدها وتبينت، وتسلمت من الخطوب كتاب أمانها، وعاد ربيعًا كل زمانها، وتحلت بعقود من جواهر زهرها النضر، وطال عمر ربيعا الخضر، وأصبحت لأهلها بعد أن طالت شراستها، ولانت لأربابها لما حسنت سياستها، ووصلت لأرباب الفضائل وكانت هجرت، وهب عليهم نسيم أصائلها بعد أن هجرت، ويسرت عليهم أمورهم وكانت عسرت، وأطلقتهم من وثاق الفقر بعد

1 / 5