276

أحدهما على الآخر ، ولا سيما إذا كان الظن عن أمارة قوية تقربه من العلم. وثانيهما أن الظن بمعناه الحقيقي والمراد بملاقاة الرب ، إما لقاء ثوابه وذلك مظنون لا معلوم ، وإما الموت الذي هو سبب اللقاء ووقته غير معلوم إلا أنه متوقع كل لحظة وقوعا راجحا عند المؤمن ، لأنه قطع أمله أو لأنه يحب لقاء ربه ( إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ) [الجمعة : 6]. ويحتمل أن يقال : معناه على هذا التفسير الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم ، فإن الإنسان الخاشع قد يسيء ظنه بنفسه وبأعماله فيغلب على ظنه أنه يلقى الله بذنوبه ، فعند ذلك يتسارع إلى التوبة وذلك من صفات المدح.

وبقي هاهنا بحثان : الأول : استدل أهل السنة بالآية على جواز رؤية الله تعالى ، وأنكرها المعتزلة قالوا : اللقاء لا يفيد الرؤية لقوله تعالى ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) [التوبة : 77] والمنافق لا يرى ربه ، ولقوله ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) [البقرة : 223] ويشمل الكافر والمؤمن. وقال صلى الله عليه وسلم «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» (1) وأجيب بأن اللقاء في اللغة وصول أحد الجسمين إلى الآخر اتصال التماس ، وهذا اللقاء سبب الإدراك. فحيث يمتنع حمله على أصله وجب حمله على الإدراك ، لأن إطلاق لفظ السبب على المسبب من أقوى وجوه المجاز. فإن منع من ذلك أيضا مانع أضمر بحسب ذلك ، فإن الإضمار خلاف الأصل لا يصار إليه إلا لمانع. ففي قوله ( إلى يوم يلقونه ) [التوبة : 77] دعت الضرورة إلى إضمار الجزاء ونحوه ، وفي الآية لا ضرورة ، فحمله على الإدراك أولى.

البحث الثاني : المراد من الرجوع إلى الله الرجوع إلى حكمه حيث لا مالك لهم سواه ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [غافر : 16] كما كانوا كذلك في أول الخلق بخلاف أيام حياتهم في الدنيا ، فإنه قد يملك الحكم عليهم ظاهرا غير الله تعالى. قال المجسمة : الرجوع إلى غير الجسم محال فدل ذلك على كونه تعالى جسما. وقال أهل التناسخ : الرجوع إلى الشيء مسبوق بالكون عنده فدلت الآية على كون الأرواح قديمة ولا يخفى جوابهما والله أعلم.

Страница 278