Гарайб аль-Куран
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
أخوة الإيمان ( إنما المؤمنون إخوة ) [الحجرات : 10] ثم قال : ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) [البقرة : 178] وهذا لا يليق إلا بالمؤمن. القيد الثاني : أن الإيمان ليس عبارة عن تصديق اللسان لقوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) [البقرة : 108]. القيد الثالث : ليس عبارة عن مطلق التصديق لأن من صدق بالجبت والطاغوت لا يسمى مؤمنا. القيد الرابع : لا يشترط التصديق بجميع صفات الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم «أعتقها فإنها مؤمنة» بعد قوله عليه الصلاة والسلام لها أين الله؟ قالت : في السماء. ويعلم مما ذكرنا أن من عرف الله بالدليل ، ولما تم العرفان مات ووجد من الوقت ما أمكنه التلفظ بكلمة الشهادة لكنه لم يتلفظ بها كان مؤمنا ، وكان الامتناع عن النطق جاريا مجرى المعاصي التي يؤتى بها مع الإيمان ، وبهذا حكم الغزالي رضياللهعنه قلت وبالله التوفيق : التحقيق في المقام أن للإيمان وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في العبارة. ولا ريب أن الوجود العيني لكل شيء هو الأصل ، وباقي الوجودات فرع وتابع. فالوجود العيني للإيمان هو النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين الحق جل ذكره ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) [البقرة : 257] وهذا النور قابل للقوة والضعف والاشتداد والنقص كسائر الأنوار ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) [الأنفال : 2] كلما ارتفع حجاب ازداد نورا فيتقوى الإيمان ويتكامل إلى أن ينبسط نوره فينشرح الصدر ويطلع على حقائق الأشياء وتتجلى له الغيوب وغيوب الغيوب فيعرف كل شيء في موضعه ، فيظهر له صدق الأنبياء عليهم السلام ولا سيما محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين في جميع ما أخبروا عنه إجمالا أو تفصيلا على حسب نوره ، وبمقدار انشراح صدره ، وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور والاجتناب عن كل محظور ، فينضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة والملكات الحميدة ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) [التحريم : 8] ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ) [النور : 35] وأما الوجود الذهني فبملاحظة المؤمن لهذا النور ومطالعته له ولمواقعه ، وأما الوجود اللفظي فخلاصته ما اصطلح عليه الشارع بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يخفى أن مجرد التلفظ بقولنا «لا إله إلا الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم » من غير النور المذكور لا يفيد إلا كما يفيد للعطشان التلفظ بالماء الزلال دون التروي به ، إلا أن التعبير عما في الضمير لما لم يتيسر إلا بواسطة النطق المفصح عن كل خفي والمعرب عن كل مشتبه ، كان للتلفظ بكلمة الشهادة ولعدم التلفظ بها مدخل عظيم في الحكم بإيمان المرء وكفره ، فصح جعل ذلك وما ينخرط في سلكه من العلامات ، كعدم لبس الغيار وشد الزنار دليلا عليهما ، وتفويض أمر الباطن
Страница 143