نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
الفصل الأول
فتحت عينيها في ذلك الصباح وهي تشعر بانقباض غريب، يزحف في عروقها كنمل له دبيب، ثم يتجاذب ويتجمع في قلبها. ويلتصق بعضه ببعض متكورا كجلطة دم، تحتك بجدار قلبها حين يصعد صدرها أو يهبط كلما لاح لها أن تعطس أو تسعل أو تتنفس بعمق.
فركت عينيها وهي لا تفهم سبب هذا الانقباض؛ فالشمس ساطعة ككل يوم ينفذ ضوءها اللامع من خلال زجاج النافذة، ويسقط على مرآة الدولاب، فتعكس نورا كالوهج الأحمر فوق الجدار الأبيض وأوراق شجرة الكافور تلمع في الضوء ككل يوم وترتعش كقراميط صغيرة من السمك، والدولاب والشماعة والرف وكل شيء في مكانه في الحجرة.
ورفعت الغطاء عن جسمها ونهضت فوق قدميها الحافيتين، وسارت إلى المرآة بغير إرادة، لماذا تنظر في وجهها بمجرد أن تصحو من النوم؟ إنها لا تعرف تماما ما السبب، ولكنها تحس بأنها تريد أن تطمئن إلى أن شيئا غريبا لم يحدث لها أثناء النوم، إن رقعة بيضاء مثلا لم تزحف من بياض عينيها لتلتصق بالنني الأسود، أو أن ورما لم ينم فوق طرف أنفها المدبب.
ونظرت في المرآة، ورأت وجهها الذي تراه كل يوم، البشرة السمراء بلون اللبن الممزوج بالكاكاو، والجبهة العريضة تتهدل فوقها خصلة شعر غزيرة سوداء، وعينان خضراوان في داخل كل منهما نواة صغيرة سوداء، وأنف طويل حاد، وفم.
وسحبت عينيها بسرعة من فوق فمها، فهي تكرهه، أنه هو الذي يفسد شكل وجهها، تلك الفرجة اللاإرادية القبيحة، كأنما كان يجب أن تنمو شفتاها أكثر مما نمت، أو أن تنمو عظام فكيها أقل مما نمت، وسواء أكان هذا أم ذاك، فإن شفتيها لا تنطبقان بسهولة، وتظل هناك فرجة دائمة، تطل من تحتها أسنان بيضاء بارزة.
وشدت شفتيها وأغلقت فمها، وراحت تنظر في عينيها، إنها تنظر في عينيها دائما حين تتفادى النظر إلى فمها؛ فعيناها فيهما شيء، شيء ما يميزهما عن النساء كما يقول لها فريد.
Неизвестная страница