أما هي فغطت وجهها بكمها وغلب عليها الحياء والوجل، وظلت جالسة لا تدري كيف تحتجب! وداخلتها الدهشة فزادتها رونقا ومهابة، فولت وجهها عرض الحائط وظهرها نحو يزيد الذي لم يتمالك عن الإعجاب بجمالها وهيبتها، ولم يستطع أن يكبح انعطافه إليها، فناداها بنغمة المحب المفتون قائلا: لا تحجبي شمس وجهك عن خلق الله يا أجمل خلق الله.
فظلت صامتة وجمد الدم في عروقها من شدة الخجل، فتحول يزيد من الغرفة وقد وقعت سلمى من نفسه موقعا عظيما، وكان عبيد الله بن زياد قد نزل إلى الباحة والرئيس معه فرأى يزيد خارجا من غرفة سلمى وأمارات الإعجاب بادية في عينيه، فشعر بغيرة شديدة ممزوجة بالحسد، لعلمه أن الخليفة إذا رآها وأعجبته لا يبقى له هو سبيل إليها، فتجاهل ما ثار في خاطره وخاطب الخليفة على سبيل المزاح قائلا: أرى أمير المؤمنين مشغولا بكلبه بعد الطريدة التي اصطادها له هذا الصباح.
فقال يزيد وهو يحاول الابتسام: لكنه اصطاد طريدة أخرى أجمل من تلك، فتضاعف فضله علينا.
فأدرك ابن زياد تلميحه فازدادت غيرته، ولكنه اضطر إلى الكتمان وندم على امتداح نباهة الكلب، ولعن الساعة التي جاء فيها إلى الدير، ولكنه عمد إلى المغالطة ونادى أحد الخدم فسلم إليه الكلب، واستشار الخليفة فيما يراه من البقاء أو الرحيل فأشار بالرحيل، والرئيس يرحب به ويرجو بقاءه للاستراحة بقية ذلك اليوم، فقال يزيد، لقد طرأ ما يدعو إلى التعجيل بعودتنا. ثم طلب إليه أن يتبعه فتبعه الرئيس حتى انتحيا ناحية وظل ابن زياد واقفا وعيناه تتبعانهما حتى تواريا وراء الصفصافة.
فلما خلا يزيد إلى الرئيس سأله عن تلك الفتاة فأخبره أنها ابنة تاجر قدم من العراق منذ بضعة أيام.
فقال يزيد: هل هي عزبة؟ قال: أظنها كذلك يا مولاي.
قال: حسنا، ولم يزد، ثم أمر فركبت حاشيته وركب هو وابن زياد معه، وودعا الرئيس وخرجا، وعامر لا يزال على السطح يختلس النظر إلى حركات يزيد وقد رآه وراء الصفصافة مع الرئيس.
فلما مضى يزيد ورجاله صعد الرئيس إلى السطح وفي وجهه ابتسامة استدل عامر منها على شيء في نفسه، فتقدم إليه وملامح الاستفهام بادية على وجهه، وقبل أن يهم بالكلام ابتدره الرئيس قائلا: إني أبشرك بالسعادة يا بني.
قال عامر: بماذا؟ وكيف؟
قال: لأني رأيت أمير المؤمنين معجبا بابنتك.
Неизвестная страница