قالت سلمى: أرجو أن ينزل هنا لكي أراه؛ لأني لم أر وجهه بعد.
فقال عبد الرحمن: ولكنك لا تقدرين على ذلك إلا إذا جلست في مكان ترين منه موكبه دون أن يراك.
قال عامر: وأنا لا أريد أن يرى وجهي، فالأجدر بنا أن نتخذ مقاما في خلوة تشرف على ساحة الدير، وإذا استطعنا أن نشرف على بستان الدير كان حظنا أوفر؛ لأن يزيد إذا أراد الصيد خرج في حاشية كبيرة وفيها البازيارية والعقابون وساسة الفهود والقرود والكلاب، وحملة الزاد والخدم والأعوان، وغير هؤلاء ممن يحتاج إليهم أثناء الصيد.
فقال عبد الرحمن: وهل يقيمون في الصيد طويلا؟
قال: ربما أقاموا أسبوعا أو شهرا أو بضعة أسابيع، وهم في مضاربهم ومعهم كل ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب والكساء. كذلك كان يفعل ملوك العراق عندنا من عهد الفرس، فقد كان الملك منهم إذا خرج للصيد بنوا له حائطا طوله فرسخ يبتدئ من دجلة مثلا أو من الفرات على هيئة زاوية، ثم يخرج الملك أو الأمير ومعه الرجال والأعوان على الخيول والبغال والحمير يطاردون الغزلان وحمر الوحش وغيرهما من الطرائد نحو الحائط والنهر، ويمنعونها من الرجوع، فلا تفر منهم، ويستدرجونها حتى يدخلوها وراء ذلك الحائط، فتنحصر بينه وبين النهر، فإذا انحصرت هناك دخل الملك ومن معه من خاصته وتأنقوا في القتل، فيقتلون ما يقتلون ويطلقون الباقي، وما أظن يزيد إلا فاعلا في هذه الغوطة مثل ذلك.
فقال عبد الرحمن: وما السبيل إلى مكان نستتر فيه؟
قال عامر: دعوا ذلك لي، وخرج إلى رئيس الدير، وكان الصبح قد انبلج والرئيس على السطح يراقب تنفيذ أوامره في تنظيف الدير وضواحيه، وفرش الطنافس وإعداد المجالس وترتيب الفاكهة في الآنية واستحضار المياه الباردة المحلاة بالسكر وأنواع الأشربة الحلوة، فصعد عامر إليه وحياه فرحب به الرئيس، فتجاهل عامر وسأله عن سبب ذلك الاهتمام فقال: إن أمير المؤمنين مار بنا هذا الصباح في طريقه إلى الصيد، ومن عادته إذا خرج للصيد أن يجعل هذا الدير أول محطة يقف فيها.
فأظهر عامر ارتياحه لذلك وقال: وقد بلغني أن مولانا الخليفة يجلكم ويحترمكم لقدم عهدكم في هذا المنصب.
قال: ربما فعل ذلك تفضلا منه، ولا غرو؛ فإني أعرف أباه من قبله، وكثيرا ما كان يجالسني وأجالسه، وكان خليفتنا هذا يومئذ صبيا يخرج أحيانا إلى هذه الغوطة ومعه معلم يلقنه حركات النجوم وأنساب العرب اسمه دغفل، وكان إذا أتاني أنس بي فأكرمه، فلما تولى الخلافة ظل ذاكرا الصحبة.
فقال عامر: إن منظر أمير المؤمنين بحاشيته وخدمه مما ينشرح له الصدر، وأراني كثير الشوق إلى مشاهدة ذلك المشهد، وابنتي أشوق مني إليه، ولكنني لا أدري كيف أستطيع أن أريها إياه من غير أن يراها أحد؛ لأن عادتنا تقضي بالتحجب.
Неизвестная страница