الخطبة التي كان يفتتح بها المؤلف كتبه
الحمدلله نستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والمؤمنين والكفار، والسعداء أهل الجنة، والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله وأعداء الله.
فمن شهد له محمد ﷺ بأنه من أولياء الله فهو من أولياء الرحمن، ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أعداء الله وأولياء الشياطين.
1 / 3
لله أولياء وللشيطان أولياء
وقد بين ﷾ في كتابه وسنة رسوله ﷺ أن لله أولياء من الناس، وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
فقال تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم﴾ وقال تعالى: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة
1 / 4
لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾ .
وقال تعالى: ﴿هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا﴾ .
وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون﴾ وقال تعالى: ﴿الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾ .
وقال تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا﴾ .
وقال تعالى: ﴿ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا﴾ .
1 / 5
وقال تعالى: ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ وقال تعالى: ﴿إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون * وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا﴾ إلى قوله ﴿إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون﴾ وقال تعالى: ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم﴾، وقال الخليل ﵇: ﴿يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا﴾، وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾ الآيات إلى قوله ﴿إنك أنت العزيز الحكيم﴾
1 / 6
صفات أولياء الله
فصل في صفات أولياء الله
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ .
الإيمان والتقوى
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة - أو فقد آذنته بالحرب - وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» .
- وفي رواية فبي يسمع وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي - «ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا
1 / 7
فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته.
ولابد له منه» وهذا أصح حديث يروى في الأولياء، فبين النبي ﷺ أنه من عادى وليا لله فقد بارز الله في المحاربة.
الحب في الله والبغض في الله
وفي حديث آخر: «وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب» أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع، كما في الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله» وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» .
1 / 8
موالاة الطاعات
والولاية: ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد.
وقد قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي متابعته لها، والأول أصح.
والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي يقرب منه.
ومنه قوله ﷺ: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر» أي لأقرب رجل إلى الميت.
ووكده بلفظ الذكر ليبين أنه حكم يختص بالذكور، ولا يشترك فيه الذكور والإناث، كما قال في الزكاة: «فابن لبون ذكر» .
1 / 9
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معاديا له، كما قال تعالى: ﴿لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾ فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه، فلهذا قال: «ومن عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» .
أفضل أولياء الله
وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ﷺ.
قال تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ وقال تعالى: ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا * ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما﴾ .
1 / 10
أفضل أولي العزم
وأفضل أولي العزم: محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين، وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد، وصاحب الحوض المورود، وشفيع الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة، الذي بعثه الله بأفضل كتبه، وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم، وهم آخر الأمم خلقا، وأول الأمم بعثا، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه - يعني يوم الجمعة - فهدانا الله له: الناس لنا تبع فيه، غدا لليهود، وبعد للنصارى» .
وقال ﷺ: «أنا أول من تنشق عنه الأرض» .
1 / 11
وقال صلىالله عليه وسلم: «آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد.
فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك» .
وفضائله ﷺ وفضائل أمته كثيرة، ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه: فلا يكون وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به، واتبعه باطنا وظاهرا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه، فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان.
قال تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ قال الحسن البصري ﵀: ادعى قوم أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها، أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول ﷺ، فليس من أولياء الله: وأن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم، أو في غيرهم، أنهم من أولياء الله، ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود
1 / 12
والنصارى يدعون أنهم أولياء لله (وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم، بل يدعون أنهم أبناؤه) وأحباؤه.
قال تعالى: ﴿قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم﴾، إلى قوله: ﴿ولا هم يحزنون﴾
ادعاء مشركي العرب أنهم أهل الله
وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله، لسكناهم مكة، ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به على غيرهم، كما قال تعالى: ﴿قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون﴾ وقال تعالى: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك﴾ إلى قوله: ﴿وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون﴾ فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون.
حديث: "وليي الله وصالح المؤمنين "
حديث: وليي الله وصالح المؤمنين
وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول جهارا من غير سر: «إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين» وهذا موافق لقوله تعالى:
1 / 13
﴿فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين﴾ الآية.
وصالح المؤمنين: هو من كان صالحا من المؤمنين.
وهم المؤمنون المتقون أولياء الله.
ودخل في ذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكلهم في الجنة، كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» ومثل هذا الحديث الآخر: إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا.
لا طريق غير طريق الإسلام
كما أن من الكفار من يدعي أنه ولي الله، وليس وليا لله، بل عدو له.
فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الاسلام، يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنه مرسل إلى جميع الأنس، بل إلى الثقلين: الأنس والجن، ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك، مثل
1 / 14
أن لا يقروا في الباطن بأنه رسول الله، وإنما كان ملكا مطاعا، ساس الناس برأيه، من جنس غيره من الملوك، أو يقولون: إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب، كما يقوله كثير من اليهود والنصارى، أو أنه مرسل إلى عامة الخلق، وأن لله أولياء خاصة، لم يرسل إليهم، ولا يحتاجون إليه، بل لهم طريق إلى الله من غير جهته، كما كان الخضر مع موسى، أو أنهم يأخذون عن الله كل مايحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة، أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها.
وأما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها، أولم يكن يعرفها، أو هم أعرف بها منه، أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته.
حال أهل الصفة
وقد يقول بعض هؤلاء: إن أهل الصفة كانوا مستغنين عنه، ولم يرسل إليهم، ومنهم من يقول: إن الله أوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج، فصار أهل الصفة بمنزلته، وهؤلاء من فرط جهلهم، لا يعلمون أن الإسراء كان بمكة، كما قال تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾ وأن الصفة لم تكن إلا بالمدينة، وكانت صفة في شمالي مسجده ﷺ ينزل بها الغرباء الذين ليس لهم أهل وأصحاب ينزلون عندهم، فإن
1 / 15
المؤمنين كانوا يهاجرون إلى النبي ﷺ إلى المدينة، فمن أمكنه أن ينزل في مكان نزل به، ومن تعذر ذلك عليه نزل في المسجد، إلى أن يتيسر له مكان ينتقل إليه.
ولم يكن أهل الصفة ناسا بأعيانهم يلازمون الصفة، بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقيم الرجل بها زمانا، ثم ينتقل منها، والذين ينزلون بها من جنس سائر المسلمين، ليس لهم مزية في علم ولا دين، بل فيهم من ارتد عن الاسلام وقتله النبي ﷺ، كالعرنيين الذين اجتووا المدينة، أي: استوخموها، فأمرهم النبي ﷺ بلقاح - أي إبل لها لبن - وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا، قتلوا الراعي، واستاقوا الذود، فأرسل النبي ﷺ في طلبهم، فأتى بهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون.
وحديثهم في الصحيحين من حديث أنس، وفيه أنهم
1 / 16
نزلوا الصفة، فكان ينزلها مثل هؤلاء، ونزلها من خيار المسلمين سعد بن أبي وقاص، وهو أفضل من نزل بالصفة، ثم انتقل عنها، ونزلها أبو هريرة وغيره، وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي تاريخ من نزل الصفة.
وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة، وكذلك أكابر المهاجرين- كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن ابن عوف، وأبي عبيدة (بن الجراح) وغيرهم - لم يكونوا من أهل الصفة.
كذب كل حديث يروى عن النبي في عدة الأولياء
وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن شعبة، وأن النبي ﷺ قال: هذا واحد من السبعة وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية وكذا كل حديث يروى عن النبي ﷺ في عدة الأولياء، والأبدال، والنقباء، والنجباء، والأوتاد، والأقطاب، مثل أربعة، أو سبعة، أو اثني عشر، أو أربعين، أو سبعين، أو ثلاثمائة، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي ﷺ، ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال.
وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلا، وأنهم بالشام،
1 / 17
وهو في المسند من حديث علي كرم الله وجهه، وهو حديث منقطع ليس بثابت، ومعلوم أن عليا ومن معه من الصحابة، كانوا أفضل من معاوية ومن معه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي.
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: «تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي، فقتلهم علي ابن أبي طالب وأصحابه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي ابن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه، وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما.
وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي ﷺ أنه أنشد منشد:
قد لسعت حية الهوى كبدي
1 / 18
فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به ... فعنده رقيتي وترياقي
وأن النبي ﷺ تواجد حتى سقطت البردة عن منكبه، فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه مايرويه بعضهم أنه مزق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه، فعلقها على العرش، فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله ﷺ أنه من أظهر الأحاديث كذبا عليه.
وكذلك ما يروونه عن عمر ﵁ أنه قال: كان النبي ﷺ وأبو بكر يتحدثان، وكنت بينهما كالزنجي، وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود
والمقصود هنا، أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك، فيكون منافقا، وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به رسول الله ﷺ، إما عنادا، أو جهلا، كما أن كثيرا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله.
وأن محمدا رسول الله.
لكن يقولون: إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب، وإنه لا يجب علينا اتباعه، لأنه أرسل إلينا رسلا قبله، فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله،
1 / 19
وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ .
ما لابد منه في الإيمان
ولابد في الايمان من أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
ويؤمن بكل رسول أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله، كما قال تعالى: ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾ .
الأركان الخمسة
وقال تعالى: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت
1 / 20
مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ .
محمد ﷺ خاتم النبيين
وقال في أول السورة: ﴿الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون﴾ فلا بد في الايمان من أن تؤمن أن محمدا ﷺ خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين: الجن والانس.
الإيمان بجملة ما جاء
فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن، فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين.
ومن آمن ببعض ماجاء به وكفر ببعض، فهو كافر ليس بمؤمن، كما قال الله تعالى: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما﴾ .
الإيمان بوساطته في التبليغ
ومن الايمان به: الايمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين
1 / 21
خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وحلاله وحرامه، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله ﷺ.
فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد ﷺ فهو كافر من أولياء الشيطان.
وأما خلق الله تعالى للخلق، ورزقه إياهم، وإجابتهم لدعائهم، وهدايته لقلوبهم، ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار، فهذا لله وحده، يفعله بما يشاء من الأسباب، لا يدخل في مثل هذا وساطة الرسل.
أولياء من جنس الكهان والسحرة
ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ فليس بمؤمن، ولا ولي لله تعالى، كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبادهم.
وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين، مشركي العرب والترك والهند، وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك، وله علم أو زهد وعبادة في دينه، وليس مؤمنا بجميع ما جاء به محمد، فهو كافر عدو لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله، كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارا مجوسا، وكذلك حكماء اليونان، مثل أرسطو وأمثاله، كانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب
1 / 22