1
فترى الشاعر فيها يسير على تل في اسكتلندا، وإذا ببصره يقع على فتاة تحصد حقلا عبر الوادي، وينصت فإذا بالحاصدة تغني فيتأثر أبلغ الأثر بمنظرها وغنائها.
انظر إليها في الحقل وحيدة،
تلك الفتاة الريفية في عزلتها
تحصد وتغني بنفسها.
قف ها هنا أو امض هادئا.
يقدم الشاعر بهذه الأبيات الأربعة لما يريد أن يسوقه في قصيدته، وهي غاية في بساطة المعنى، لا تعقيد فيها ولا التواء، ولا يريد بها الشاعر غير أن يثبت حادثة رآها، ولكنك رغم بساطتها تلاحظ أن الشاعر مسحور بشيء رآه، وهو يخشى بهذه الفتنة البادية أن يفسدها عليه سائر ينهب الأرض بسرعته، فيهمس في إشفاق: «قف ها هنا، أو امض هادئا»؛ ليدوم له هذا السحر الذي أخذ يستغرق فيه. فما مبعث الفتنة في نفس الشاعر المأخوذ؟ أهو منظر الفتاة تجمع الحصاد أم صوتها تغني؟ قد تكون الفتنة منهما معا، لكنها فتنة الصوت قبل كل شيء، ذلك ما يبينه البيت التالي ؛ فهي تغني «نغما حزينا»، هي تغني «نغما» لا «أغنية»؛ فألفاظ غنائها قد انبهمت مع البعد فلم يبلغ أذن السامع إلا طلاوة الموسيقى وحلاوة «النغم»، ولكن هذا النغم قد مثل الأعاجيب المعجزة.
صه! أنصت، فالوادي العميق
فياض بصوت النغم.
وفي هذا القول أول إشارة تدل على الفتنة الغامضة الملغزة التي احتوت الشاعر في موقفه، ولم يصف «وردزورث» واديه - الذي يفصل بينه وبين الفتاة في حقلها - بالعمق لهوا وعبثا، لكنه يريدك على أن تتصور هذا العمق وقد امتلأت جنباته بسحر الغناء. إن الوادي وقد ملأه المصوت الشجي، قد تبدى في عين الشاعر واديا جديدا غير الوادي المعهود، فصوت النغم قد سما بطبيعة المنصت حتى أرهف حسه وشعوره، وهو ينظر بهذا الحس الذي أرهفه الصوت وبدل من طبيعته، فإذا هو بالمنظر الطبيعي أمامه قد أصابه التحول، فبات في عينه واديا غير الوادي.
Неизвестная страница