الملك هنري السابع
هذا الملك - إذا تكلمنا عنه بما هو أهل له - كان عجبا من أحسن العجب؛ لأنه كان عجبا لذوي الحكمة والذكاء، وكانت في كل من فضائله وحظوظه جوانب مختلفة هي أصلح للتأمل منها للعرض المشاع.
كان تقيا في شعوره وسلوكه، ولكنه لنفاذ بصره في الأوهام بالقياس إلى زمنه ، كانت تغلب عليه السياسة البشرية بين حين وحين.
كان يقدم رجال الكنيسة، وكان رفيقا بمزايا المعابد وحقوقها، وإن أصابه منها بعض الأذى، وقد بنى كثيرا من العمائر الدينية وأنفق عليها عدا مستشفاه التذكاري بسفوا، وكان إلى ذلك محسنا في الخفاء مما يدل أن أعماله في العلانية إنما كانت لمجد الله لا لمجده.
وكان هجيراه أن يعيش في سلام، وتعود في تقديم معاهداته أن ينص على أن السيد المسيح يوم جاء إلى الأرض ارتفعت الأناشيد بالسلام، ويوم فارقها خلف بعده وصية السلام، ولم تأت هذه الفضيلة من خوف أو نعومة؛ لأنه كان شجاعا عالي الهمة موفور النشاط، فهذا الخلق منه لا ريب من الدين ومكارم الأخلاق.
على أنه قد عرف أن سبيل السلام لا يقتضي الإحجام عن الحروب، ومن ثم كان ينذر بالحرب، وينشر أحاديثها وإرهاصها حتى يسوي أحوال السلام، وإنه لعظيم أن يكون الرجل الذي أحب السلام ذلك الحب سعيدا موفقا في الحرب، إذ كانت جيوشه سواء في خارج بلاده أو في الحروب الأهلية لم تمن قط بسوء الطالع، ولم تعرف قط ما هي الهزيمة.
ذي رڤنج
REVENGE (من تعليقات على الحرب الأسبانية)
في سنة 1591 اشتركت سفينة إنجليزية باسم رڨنج (الانتقام) في قتال باقي الأثر بقيادة السير رتشارد جرنفيل، ونقول باقي الأثر فوق كل كلام وإلى ذروة من البطولة تشبه بطولة الأساطير، وقد كانت هزيمة، ولكنها أرفع من النصر والغلبة ... كأنما هي ضربة شمشون، التي قتل بها في موته أضعاف من قتل وهو بقيد الحياة.
لبثت خمس عشرة ساعة كالأيل بين كلاب الصيد التي تقف له بالمرصاد، وأحاطت بها خمس عشرة سفينة أسبانية تناضلها من أسطول تبلغ عدة قطعه خمسا وخمسين، وقفت بقيته تتربص من بعيد، وكانت بين السفن المقاتلة تلك السفينة الكبرى المعروفة باسم القديس فيليب، وحمولتها نحو ألف وخمسمائة طن، وهي سيدة الاثنتي عشرة المعروفة في الأسطول الأسباني برسل البحار، فحمدت الله على السلامة حين تحولت عن ذي رڨنج!
Неизвестная страница