أما الشيوخ فيعترضون كثيرا ويتشاورون طويلا ويقتحمون قليلا، ويسرعون إلى الندم والنكوص، وقلما يدفعون الأمور إلى أقصى غاياتها، بل يقنعون من النجاح بالخطة الوسطى.
ومن الحسن ولا ريب أن يتلاقى النهجان؛ لأن تلاقيهما خير للحاضر إذ تتكفل فضائل كل سن بتصحيح نقائص الأخرى، وخير للمستقبل إذ يصبح الشبان متعلمين حين يكون الشيوخ عاملين، وخير لآثار الأعمال فيما يراه الناس؛ لأن الثقة والحجة تقفوان أثر الشيوخ والحظوة والشهرة تقفوان أثر الشبان.
ولعل الشبان أحق بالرجحان في مسائل الأخلاق، حيث يكون الشيوخ أحق بالرجحان في مسائل السياسة، وقد جاء في أقوال بعض الربانيين: «إن شبانكم سيبصرون الرؤى وشيوخكم سيحملون الأحلام.» مما يفيد أن الشبان أقرب إلى جوار الله من الشيوخ؛ لأن الرؤى في باب الوحي أوضح وأصدق من الأحلام.
والواقع أنه كلما شرب الرجل من هذه الدنيا أسكرته، وإنما يستفيد الشيوخ على الأرجح من جانب مدارك الفهم فوق ما يستفيدون من جانب حسن المشيئة والشعور.
ومن الناس من يعجل إليهم النضج ويعجل بهم الذواء والذبول، وهم أصحاب العقول القصمة، كأنها الحد المشحوذ الذي يتثلم من بضع ضربات.
كذلك كان هرموجينس الخطابي الذي جاءت قريحته بمصنفات بلغت الغاية من الدقة ولطف المدخل، ثم تثلمت قريحته وغلب عليها التبلد والكلال.
وهناك طراز آخر من ذوي الملكات تجمل ملكاتهم في الشباب، ولا تجمل في الشيخوخة، ومنها ملكة الكلام الذلق المزخرف وهو مقبول من الشباب غير مقبول من الشيوخ.
وقد قال شيشرون عن مزاحمه هورتنسيوس: «لم يتغير وقد كان في التغير له صلاح.»
والطراز الثالث من أصحاب الملكات بعد هؤلاء وهؤلاء يثب الوثبة العالية في البداية، ثم يعجز عن ملاحقتها بما هو أهل لها في الشيخوخة، وكذلك قال لسمي المؤرخ عن سيبيو
Seipio
Неизвестная страница