بدأت في حزم أمتعتي في الصباح الباكر من اليوم التالي. وبحلول وقت ما بعد الظهيرة كان قد تبقى لي شيء واحد أفعله ألا وهو جمع أدوات المعمل. استجمعت كل شجاعتي وفتحت الباب، وكانت أجزاء عملي متناثرة في كل الأرجاء. وكان هذا هو الدليل على الوعد الذي أخلفته.
في بادئ الأمر نظفت معداتي وطرحتها جانبا، ثم أخذت الكائن المسكين للخارج، وتلوت عليه صلاة قصيرة ثم دفنته بجانب البيت. وفيما انتهيت من عملي كان الليل قد أرخى سدوله. من الآمن أن أنتظر حتى الصباح كي أعبر الماء بقاربي. لكنني كنت قد عقدت العزم على ترك الجزيرة في هذا اليوم، لذا شددت رحالي.
كانت الغيوم تغشي السماء المظلمة لذا لم أستطع أن أرى القمر، فكان الفرق بين البحر والسماء لا يذكر. كان الظلام مدلهما، والنجوم متوارية. للمرة الثانية في حياتي أخشى الظلام. نقلت أغراضي إلى القارب الصغير وأبحرت في المياه الغادرة. وسرعان ما هاجت الأمواج فكان من الصعب الإبحار، وعصفت الرياح بقوة في الاتجاه غير المواتي، ووجدت الأمواج تتقاذفني وسط البحر، ومرت ساعات عديدة على هذا النحو، وكلما حاولت أن أتحكم في القارب أبحر في الاتجاه الخاطئ.
ولما طلع النهار سكنت الريح. هبت نسمة خفيفة على الأشرعة الآن، وأخيرا تمكنت من أن أعيد القارب إلى المسار الصحيح. وبالتدريج شق القارب طريقه نحو الشاطئ، وسعدت لرؤيتي من بعيد بلدة صغيرة بها مرسى جيد.
كنت أربط القارب وأنزل الأشرعة حينما تجمهر حولي حشد من الناس يتهامسون ويشيرون نحوي مما أثار انزعاجي.
قلت في هدوء: «مرحبا، هل من الممكن أن يخبرني أحدكم أين أنا من فضلكم؟ ما اسم هذه البلدة؟»
أجاب رجل ذو صوت أجش وبنبرة متوعدة: «ستعلم سريعا! لعلك رسوت في مكان لن يروق لك. وبعد قليل سنريك أين ستمكث!»
ارتبكت بشدة من إجابته إذ لم تكن من عادة الغرباء أن يكونوا بهذه الدرجة من الوقاحة.
سألته: «ما الذي يحدث؟»
أجاب: «أنت مجرم! ونحن لا نرغب في وجودك هنا .»
Неизвестная страница