تدهورت صحة بوفورت ومات في غضون أشهر قلائل، واغتمت كارولين للغاية؛ إذ لم تكن فقيرة فحسب، وإنما صارت الآن أيضا وحيدة تماما في العالم. وفي يوم جنازة والدها بكت بحرقة شديدة. وماذا تسطيع أن تفعل غير ذلك؟ وقعت كارولين بجانب النعش وبكت، لقد كمدها موت والدها، لكنها كانت أيضا تتساءل عن مصيرها الآن؟!
رفعها والدي برفق، وأخبرها أنه سيعيدها إلى جنيف ويعتني بها. وبعد مرور عامين تزوجا.
وعلى الرغم من فارق السن بينهما، فإنهما نعما بحياة زوجية سعيدة، إذ كان أحدهما يكن الحب والاحترام للآخر، وترك والدي عمله كي يقضي المزيد من الوقت برفقتها، فالسنوات الطويلة التي قضتها أمي في رعاية والدها أضعفت صحتها. ولكي تتحسن صحتها انتقلا إلى إيطاليا حيث المناخ أكثر دفئا. وولدت في نابولي، وذهبت معهما في كل رحلاتهما، وأحباني حبا جما.
ولما كنت في الخامسة من العمر زرنا بحيرة كومو. وكان من عادة أمي أن تقدم المساعدات للعائلات الفقيرة أثناء رحلاتنا، إذ كانت تود أن ترد الجميل إلى العالم بأن تساعد الآخرين تماما كما ساعدها أبي. وخلال إقامتنا عند بحيرة كومو صادفت أمي رجلا وزوجته يعتنيان بأسرتهما الكبيرة، من بين أبنائهما فتاة جميلة صافية البشرة شقراء الشعر ذات عينين زرقاوين جميلتين كانت مميزة عن باقي أشقائها. كانت الفتاة شديدة الجمال فأحبتها أمي في الحال.
زارت أمي هذه الأسرة لأيام عديدة وأمضت الكثير من الوقت تساعد الأم المسكينة وعائلتها الكبيرة، وأحضرت لهم الطعام والملابس، وأمضت أوقاتا طيبة مع الأطفال. وإبان إقامة أمي معهم راقبت الفتاة الجميلة عن كثب فوجدتها حلوة الطبع، طيبة الخلق، لها ابتسامة عذبة.
وبعد ظهر أحد الأيام جلست أمي والمرأة تتسامران والأطفال يلهون ويضحكون ويركضون أمامهما.
أخبرت المرأة أمي أن الفتاة الجميلة ليست ابنتها، ولكنها انضمت إلى العائلة بعدما مات والداها وأصبحت يتيمة، ومع أنها انحدرت من أسرة ثرية فإنها لا تملك أي مال الآن. كاد قلب أمي ينفطر في هذه اللحظة؛ إذ كانت قصة الفتاة تشبه قصتها تمام الشبه حتى إنها سألت المرأة هل يمكن أن تأتي الفتاة لتعيش معنا. وافقت المرأة، وهكذا انضمت إليزابيث لافينزا الجميلة إلى أسرتنا.
أحببت إليزابيث منذ أن رأتها عيناي، فقد كانت فتاة مشرقة وفاتنة صارت هي كل عالمي، فلم نتشاجر قط أو حتى يسيء أحدنا للآخر. كنا مختلفين أيما اختلاف، فما كان من هذا الاختلاف إلا أن عزز أكثر حب أحدنا للآخر. أحبت إليزابيث الشعر والأشياء الجميلة: الأزهار البرية، وشروق الشمس، والفراشات. أما أنا فقد أحببت العلوم، وعالم الطبيعة، والمفكرين العظماء.
كان العالم في نظري سرا كبيرا أردت أن أسبر غوره. أحبت إليزابيث منظر الأشياء، أما أنا فقد أردت أن أكتشف كيف تعمل الأشياء. وتعاونا معا في كل دراستنا، فكنا نقضي الساعات نجول في الحقول ونسبح في البحيرات ونقرأ طوال ساعات الليل.
وبعد مولد أخي إيرنست قرر والداي العودة إلى الوطن للأبد، فاستقررنا في منزل بجنيف وابتعنا منزلا صغيرا في بيليريف، على الساحل الشرقي من بحيرة جنيف. وعشنا في الريف أكثر مما عشنا في المدينة، إذ كان الريف مكانا رائعا لنترعرع فيه.
Неизвестная страница