فن الإلقاء
فن الإلقاء
Издатель
مكتبة الفيصلية
Жанры
الفصل الأول: نشأة فن الإلقاء
مدخل
...
نشأة فن الإلقاء
لقد عني المسلمون الأولون بلغة القرآن الكريم، والحفاظ عليها، وبذلوا جهودهم في دراسة هذه اللغة، كما عنوا بدراسة صيغ الكلمات وحروفها ومخارجها ومجموع الأصوات التي تتكون منها اللغة.
فحين انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربية ودخل الأعاجم في دين الله وأخذوا يتعلمون العربية، أحس أهل الحفاظ على لغة القرآن أن العربية على لسان غير العرب قد أصابها تغييرات في نطق الكلمات هددت بمسخ صورة وقعها وجرسها وطبيعة تكوينها وتركيبها، فغير العرب كانوا يستبدلون بأصوات عربية أخرى أصواتًا أسهل عليهم في النطق.
ولا غرابة فقد دخلت اللغة العربية في صراع مع اللغة الفارسية وكذلك مع اللغة اليونانية كما اصطدمت العربية مع اللغة القبطية في مصر، واللغة البربرية في شمال أفريقيا.
وأخذت تظهر اللغة العربية المولدة على ألسنة الأعاجم بخصائصها وصفاتها التي تغاير العربية، ولقد أوضح الجاحظ في كتاب
1 / 7
البيان والتبيين جانبًا من هذه اللغة المولدة واللهجات التي كانت تنطق بها، كما كشف ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان عن جانب من ذلك.
هذا مما جعل العربية تصاب على ألسنة الأعاجم باللثغة واللكنة والعجمة والإغلاق وعدم الإبانة، وخشي العرب على لغتهم من طول مخالطة السامع للعجم وسماعه للفاسد من الكلام، وأخذوا يعملون جاهدين على تنقية اللغة والحفاظ على أصواتها وصونها من اللحن ومن تعسر النطق السليم بها.
ولم يقف القدماء صامتين أمام هذه الظاهرة، ولكن كانوا أشد حرصًا على تنقية اللغة، والجهود التي بذلوها جهودًا توضح مدى الحرص على إعادة النطق السليم للعربية، وللذين يقرءون القرآن الكريم.
فلقد وضعوا في ذلك كتبًا هي مراجع للدارسين في هذا الميدان، فأبو الفتح بن جني يقول في مقدمة كتابه سر صناعة الإعراب:....أن أضع كتابًا يشتمل على جميع أحكام حروف المعجم وأحوال كل حرف منها، وكيفية مواقعه في كلام العربية،.... وأذكر أحوال هذه الحروف في مخارجها ومدارجها وانقسام أصنافها وأحكام مجهورها ومهموسها وشديدها ورخوها وصحيحها ومعتلها.... ١.
ومن يتصفح كتب القدماء فسيرى جهودًا لا تعرف الملل في سبيل ألا تنحرف أصوات العربية نتيجة لتأثرها باللغات الأخرى.
وكانت هذه الدراسة حدثًا بارزًا في تاريخ العربية حين وضعوا
_________
١ سر صناعة الإعراب.
1 / 8
قواعد تكفل الحفاظ على النطق السليم وصون اللغة من التحريف.
وأصبحت هذه القواعد صمام الأمان من انحراف الألسنة عبر عصور التاريخ، بل لم يسبق لأمة من الأمم أن فكرت من قبل ذلك في وضع قواعد للنطق.
فالعرب هم أول أمة فكرت في وضع قواعد لنطق الأصوات اللغوية ثم أخذت عنهم بعد ذلك أمم كثيرة بعد أن أصاب لغتهم ما أصابها من تحريف أو انقسام مثل ما حث في اللغة اللاتينية أو في غيرها من لغات العالم.
ولقد كان القرآن الكريم هو أساس هذه الدراسات التي قام بها أهل الحفاظ على اللغة، من أجل الأداء السليم للنص القرآني.
وكان الهدف الأساسي من هذه الدراسات الصوتية هو الحفاظ على لغة القرآن وتلاوته حق تلاوة، وترتيله امتثالا لقوله تعالى: ﴿وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ ١، والترتيل كما أوضح الزجاج: أن تبين القرآن تبيينًا، والتبيين لا يتم بأن يعجل في القرآن، وإنما يتم بأن يبين جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع، وكما ذكر الليث، الترتيل تنسيق الشيء إذا تمهلت فيه وأحسنته، وقال الضحاك: اقرأه حرفًا حرفًا ٢.
وظهر علم القراءات من أجل صيانة القرآن من التحريف والتغيير ومعرفة كيفية الأداء، فليس كل من سمع يقدر على الأداء ٣.
_________
١ سورة المزمل: آية: "٤".
٢ انظر القرطبي: ج: ١٩، ص: ٣٧، والفخر الرازي: ج: ٢، ص: ١٧٣.
٣ انظر إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، لأحمد بن محمد الدمياطي الشهير بالبناء: ت "١١١٧"، ص: "٥".
1 / 9
وقد عمل الأقدمون غاية جهدهم في وضع القواعد؛ لكي يحسن المؤمن قراءة القرآن ترتيلا وتجويدا.
صلة فن الإلقاء بعلم التجويد ولكي تتضح الصلة بين نشأة فن الإلقاء وما عرف بتجويد القرآن، نعود إلى تعريف التجويد، فنرى أن: التجويد: مصدر جوَّد تجويدا، والاسم منه الجودة ضد الرداءة، وهو في اللغة: التحسين، يقال: جود الرجل الشيء إذا أتى به جيدا، ويقال لقارئ القرآن المحسن تلاوته: مجود -بكسر الواو- إذا أتى بالقراءة مجودة -بفتح الواو- أي: الألفاظ بريئة من الجور والتحريف حال النطق بها عند القراءة. وفي الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه -بفتح الحاء- من الصفات، فحق الحرف من الصفات أي: الصفات اللازمة الثابتة التي لا تنفك عنه بحال: كالجهر والشدة والاستعلاء والاستفال والإطباق والقلقلة إلى غير ذلك. وإعطاؤه مستحقة من الصفات العارضة التي تعرض له في بعض الأحوال، وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب: كالترقيق، فإن الأول ناشئ عن صفة الاستفال، والثاني ناشئ عن صفة الاستعلاء، وكذلك الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء والمد والقصر إلى غير ذلك من الصفات ١ _________ ١ انظر النشر في القراءات العشر: ج: ١، ص: ٢١، للحافظ بن الجوزي، وهداية القاري إلى تجويد كلام الباري: عبد الفتاح السيد المرصفي، ص: ٧٣. والتجويد الميسر لأبي عاصم بن عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري، ج: ٦.
صلة فن الإلقاء بعلم التجويد ولكي تتضح الصلة بين نشأة فن الإلقاء وما عرف بتجويد القرآن، نعود إلى تعريف التجويد، فنرى أن: التجويد: مصدر جوَّد تجويدا، والاسم منه الجودة ضد الرداءة، وهو في اللغة: التحسين، يقال: جود الرجل الشيء إذا أتى به جيدا، ويقال لقارئ القرآن المحسن تلاوته: مجود -بكسر الواو- إذا أتى بالقراءة مجودة -بفتح الواو- أي: الألفاظ بريئة من الجور والتحريف حال النطق بها عند القراءة. وفي الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه -بفتح الحاء- من الصفات، فحق الحرف من الصفات أي: الصفات اللازمة الثابتة التي لا تنفك عنه بحال: كالجهر والشدة والاستعلاء والاستفال والإطباق والقلقلة إلى غير ذلك. وإعطاؤه مستحقة من الصفات العارضة التي تعرض له في بعض الأحوال، وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب: كالترقيق، فإن الأول ناشئ عن صفة الاستفال، والثاني ناشئ عن صفة الاستعلاء، وكذلك الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء والمد والقصر إلى غير ذلك من الصفات ١ _________ ١ انظر النشر في القراءات العشر: ج: ١، ص: ٢١، للحافظ بن الجوزي، وهداية القاري إلى تجويد كلام الباري: عبد الفتاح السيد المرصفي، ص: ٧٣. والتجويد الميسر لأبي عاصم بن عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري، ج: ٦.
1 / 10
وعني علماء الإسلام بعلم القراءات والتدوين فيه، فكتب مجاهد كتابه السبعة وله كتاب القراءات الصغير والكبير ١.
وكتب إسماعيل بن إسحاق المالكي المتوفى سنة ٣١٠هـ، الجامع فيه عددا من القراءات ٢، وألف أحمد بن جبير المتوفى ٣٥٨ هـ، كتابا ضمنه قراءة أئمة الأمصار الخمسة: مكة، والمدينة، والبصرة، والكوفة والشام ٣. وألف محمد بن أحمد الداجوني المتوفى سنة ٣٣٤ هـ، كتابا سماه القراءات الثمانية، جمع فيه قراءة الأئمة السبعة المشهورين، وأضاف إليهم قراءة أبي جعفر٤، كما ظهرت مؤلفات في طبقات القراء، وفي الاحتجاج بالقراءات، بل ذكر لنا الفهرست لابن النديم، ووفيات الأعيان لابن خلكان، والوافي بالوفيات للصفدي، وبغية الوعاء للسيوطي، ومعرفة القراء الكبار على طبقات الأمصار للإمام الذهبي، وغيرهم ممن ذكروا لنا العديد من كتب القراءات التي ألفها السابقون.
ولقد حفلت المكتبة العربية بكتب مطبوعة في علم القراءات من أهمها:
- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي بن أبي طالب القيسي: ٣٥٥- ٤٣٧هـ، ٥.
_________
١ الفهرست ص: ٥٣.
٢ النشر ج: ١، ص: ٣٤.
٣ طبقات القراء ج: ١، ص: ٣٤٢.
٤ انظر غاية النهاية ج: ٢، ص: ٧٧.
٥ طبع في مصر تحقيق د. عبد الفتاح شلبي، وطبع في دمشق تحقيق د. محيي الدين رمضان.
1 / 11
- إبراز المعاني من حرز الأماني شرح علي الشاطبية، تأليف عبد الرحمن بن إسماعيل المقدس الشهير بأبي شامة، توفي سنة ٦٦٥هـ١.
- إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، تأليف أحمد بن محمد الدمياطي ٢.
- تحبير التيسير في القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، تأليف الإمام محمد بن محمد الجزري، المتوفى سنة ٨٣٢هـ ٣.
- منار الهدى في بيان الوقوف والابتدا، للأشموني ٤.
- المكتفى في الوقف والابتدا، لأبي عمرو الداني ٥.
- الحجة في القراءات السبع، تأليف الحسين بن أحمد بن خالويه، المتوفى سنة ٣٧٠هـ ٦.
- الحجة في علل القراءات السبع، تأليف الحسن بن أحمد الشهير، بأبي علي الفارسي، المتوفى سنة ٣٧٧هـ٧.
- حجة القراءات، للإمام أبي زُرْعة ٨.
- سراج القارئ المبتدئ وتذكرة القارئ المنتهي، شرح علي الشاطبية، تأليف أبي القاسم علي بن عثمان الشهير بابن الفاصح، المتوفى سنة ٨٠١ هـ ٩.
_________
١ طبع في القاهرة
٢ طبع بمكتبة المشهد الحسيني، القاهرة.
٣ طبع في القاهرة.
٤ طبع في دار المصحف، بدمشق.
٥ طبع في دمشق في مؤسسة الرسالة، تحقيق د. يوسف المرعشلي.
٦ طبع في دمشق.
٧ ط: الهيئة القومية للكتاب، وصدر منه جزءان.
٨ ط: بنغازي ١٩٧٤.
٩ طبع في القاهرة.
1 / 12
- طيبة النشر في القراءات العشر تأليف ابن الجزري ١.
- غيث النفع في القراءات السبع، تأليف الشيخ علي النووي الصفاقسي ٢.
- كتاب السبعة، لابن مجاهد، ت ٣٢٤هـ ٣.
- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها، تأليف مكي بن أبي طالب القيسي، ت ٤٣٧هـ ٤.
- كنز المعاني في شرح حرز الأماني، تأليف محمد بن أحمد الشهير بشعلة ٥.
- التيسير في القراءات السبع، تأليف أبي عمرو الداني المتوفى سنة ٤٤٤هـ ٦.
- حرز الأماني ووجه التهاني نظم في القراءات السبع، للإمام الشاطبي ٧.
- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، تأليف أبي الفتح بن جني ٨.
- مختصر شواذ القراءات تأليف الإمام خالويه ٩.
- النشر في القراءات العشر، تأليف الإمام ابن الجزري ١٠.
_________
١ طبع في القاهرة.
٢ طبع في القاهرة على هامش كتاب سراج القارئ.
٣ طبع في دار المعارف تحقيق د. شوقي ضيف.
٤ طبع في دمشق تحقيق د. محيي رمضان.
٥ طبع في القاهرة.
٦ طبع في استانبول سنة ١٩٣٠.
٧ طبع في القاهرة.
٨ نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة.
٩ طبع في القاهرة.
١٠ طبع في القاهرة.
1 / 13
- لطائف الإشارات لفنون القراءات، للقسطلاني ١.
- غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري ٢.
- الإقناع في القراءات السبع، لابن الباذش ٣.
فغاية ما يسعى إليه فن الإلقاء هو إجادة القول، وأن يتعود القارئ على النطق السليم والقول الفصيح، مهتديا بما كتب من أحكام في فن التجويد الذي يعد أساسًا في دراسة علم الأصوات وإجادة النطق، ذلك لأن المقصود من تجويد القرآن هو قراءته بالطريقة الصحيحة، كما قرأها رسول الله ﷺ وكما قرأها الصحابة -رضوان الله عليهم- وذلك بالمحافظة على أحكامها من إدغام وإظهار وإقلاب وإخفاء ومد وغنة، وتبيين حروفه وإخراجها من مخارجها، وعدم الخلط بينها، والقراءة بتمهل وتأنٍ وفصاحة، وعدم الاستعجال في القراءة والتغني دون تكلف ولا تمطيط، ومن غير أن يتشبه بأهل الإلحاد والفساق وتحسين الصوت أثناء القراءة، وقد أمرنا الله ﷿ بتجويد القرآن فقال: ﴿وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ .
ولكي يستطيع القارئ أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة عليه أن يرجع إلى ما وضعه الأئمة من ميزان يرجع إليه، وهو السند والرسم والعربية، فكل ما صح سنده، ووافق وجهًا من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحًا، مجمعًا عليه، أو مختلفا فيه اختلافًا لا يضر، ووافق خط مصحف من المصاحف فهو السبعة الأحرف المنصوصة في الحديث، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة في قراءة وجب قبولها سواء أكانت
_________
١ تحقيق د. عبد الصبور شاهين، والشيخ عامر السيد عثمان، طبعة القاهرة.
٢ الطبعة الأولى سنة ١٣٥٢هـ بالقاهرة.
٣ المتوفى سنة ٥٤٠هـ تحقيق د. عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى.
1 / 14
عن السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ١.
ووضع علماء القراءة ضوابط دقيقة للفصل بين قراءة مقبولة وأخرى مردودة، بحيث إذا وجدت هذه الضوابط في قراءة كانت صحيحة.
وضوابط القراءة المقبولة تتلخص في:
١- أن ينقلها الثقات عن النبي ﷺ لأن القرآن هو المنقول إلينا بالتواتر.
٢- أن يكون لها وجه شائع في العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
٣- أن تكون موافقة لخط المصحف٢.
وقد أوضحها ابن الجزري في منظومته فقال:
فكل ما وافق وجه نحوي ... وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادًا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان ٣
وتلك الأحكام التي توصل إليها العلماء في تجويد القرآن هي زاد له أهميته لمن أراد أن يتعرف على النطق السليم للعربية.
فالقرآن الكريم قراءته هي أساس لتقويم اللسان، والعودة به إلى فصيح القول، فالقرآن لحكمة بالغة نزل مقروءًا ولم ينزل مكتوبًا، وتلقاه الرسول ﷺ من لدن حكيم خبير؛ ولذا كانت قراءة القرآن دعامة أساسية للنطق بالعربية وإجادة القول بها، وعِلْمُ القراءة أصل من أصول فن الإلقاء عني به السلف الصالح.
_________
١ إتحاف فضلاء البشر، ص: ٦.
٢ إرشاد الفحول، للشوكاني، ص: ٢٩.
والإبانة ص: ٥١، ومنجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ص: ٩١، والإتقان للسيوطي ج: ١، ص: ١٢٩.
٣ طيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص: ٢.
1 / 15
وإن درس الأقدمون الحروف ومخارجها وأوصافها، فإن دراسة الأصوات اللغوية لاقت رواجًا عبر العصور المختلفة وحظيت اللغة العربية بجهد كبير في البحوث المتصلة بعلم الصوتيات، هذا العلم الذي يعد أصلا من أصول فن الإلقاء وركيزة يرتكز عليها.
وكثرت كتب القراءات في العصور المتأخرة وعني أصحابها برواية القراءات وسندها، ولذا نرى من الباحثين من يقول:
ورغم كثرة كتب القراءات في العصور المتأخرة وعلاجها المسهب للقراءات السبع والعشر وغيرها، نرى أنها حين تعرض لأصوات اللغة تكتفي ببضع صفحات، تصف فيها مخارج الحروف وصفاتها، في صورة مقتضبة مختصرة، لا تخلو من الغموض أو التحريف في بعض الأحيان، كما أن عناية أصحابها قد وجهت كلها إلى رواية القراءات وسندها، معتمدين على تلقين القراءات وضبطها عن طريق التلقي الشفوي، جيلا بعد جيل، حتى انتهى الأمر إلى بضعة متون صغيرة سميت بعلم التجويد يحفظها الطالب عن ظهر قلب دون فهم في غالب الأحيان، وقد التزمت هذه المتون في غالب أحوالها، نصوص سيبويه وعباراته في شرح أصوات اللغة
ووصفها١. وفي عصرنا هذا عنيت الجامعات والمعاهد بالقراءات وظهرت العديد من المؤلفات٢.
_________
١ المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، الدكتور: رمضان عبد التواب ص: ١٨.
٢ نذكر منها: في علوم القراءات للدكتور: سيد رزق الطويل.
- وهداية القاري إلى تجويد كلام الباري: لعبد الفتاح المرصفي.
- والعميد في علم التجويد لمحمود على بسة، شرح وتحقيق محمد الصادق قمحاوي.
الدراسات الحديثة لقد عنيت الدراسة الحديثة بفن الإلقاء كعلم من العلوم اهتم به
الدراسات الحديثة لقد عنيت الدراسة الحديثة بفن الإلقاء كعلم من العلوم اهتم به
1 / 16
العلماء، وتوالت الأبحاث النظرية والمعملية في معرفة طبيعة نطق الحرف، والمقطع والجملة، وأصبحت دراسة علم الأصوات من الدراسات التي أصبحت تخضع للتجريب والبحث عن مخارج الحروف، وتصحيح الأخطاء أمام معامل الأصوات التي أعطت تصورًا دقيقا لكل مخرج.
كما ساعد علم التشريح بنصيب وافر في معرفة أجهزة النطق معرفة علمية، وأصبحت المنطقة التي خفيت عن القدماء وهي الحنجرة واضحة أمام الدراسات الحديثة وتبين دورها في تجويد الجهر والهمس، ودور الحنجرة في إصدار بعض الأصوات دون بعض مما أضفى على هذا العلم الموضوعية، وأضحت دراسته من الدراسات التي تخضع للتجريب.
اتساع مجال فن الإلقاء
كما دخل فن الإلقاء مجالات جديدة لم تكن معروفة من قبل.
فلقد كانت الكلمة المنطوقة محدودة الطاقة، ولا تتجاوز في انتقالها حدود انتشارالصوت البشري، وما يمكن أن يصل إلى الأسماع أو ينتقل عن طريق الرواية وقد أصابها ما أصابها من تبديل أو تغيير.
وبعد أن اكتُشف مكبر الصوت ساعد إيصال الكلمة المنطوقة إلى أكبر عدد من المستمعين، وأعطى مجالا جديدا لفن الإلقاء.
وحين ظهرت الإذاعة اللاسلكية تمكن العلماء من نشر الكلمة المنطوقة من غير واسطة مادية أو محسوسة، مما أعطى لفن الإلقاء أبعادًا متعددة وعلاقات مترامية متميزة، وأصبح فن الإلقاء أداة اتصال بين الأفراد والجماعات والأمم مهما تباعدت، فلقد دعى فن الإلقاء ليقوم بدور عالمي في التفاهم بين الشعوب، واحتاج الإلقاء فيها إلى الاتصال غير المباشر حيث لا يرى الإنسان من يلقي إليه كما احتاج إلى
1 / 17
التعامل مع مكبرات الصوت ذات الأبعاد والاتجاهات المتعددة والحساسية المرهفة.
وهذا مما جعل دراسة فن الإلقاء دراسة ذات أبعاد متعددة، وأساسا من أسس نجاح الخطيب في خطبته والداعي في دعوته، والمحاضر في محاضرته، والقادة والزعماء والرؤساء ورجال الإعلام، وغيرهم ممن يتحدثون إلى الناس عن طريق وسائل الاتصال المباشر وغير المباشر.
التعريف بفن الإلقاء وعناصره هو فن إيضاح المعاني بالنطق والصوت لكي تتوثق حلقة الاتصال بين المتكلم والمخاطب دون أن يشوبها اضطراب أو لبس حتى تأتي الصورة السمعية دقيقة في تفاصيلها. فالإلقاء يقوم بدور إيصال الكلام إلى المتلقي بطريقة واضحة بينه، ولهذا لابد من توفر ثلاثة عناصر هي: ١- عنصر الاتصال: فالإلقاء يقوم بإيصال الكلام إلى المستمع وبدون ذلك لا يعتبر الإلقاء إلقاء؛ لأن الكلام إن لم يصل إلى المستمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فقد فقد أهم شرط وهو التلقي.
التعريف بفن الإلقاء وعناصره هو فن إيضاح المعاني بالنطق والصوت لكي تتوثق حلقة الاتصال بين المتكلم والمخاطب دون أن يشوبها اضطراب أو لبس حتى تأتي الصورة السمعية دقيقة في تفاصيلها. فالإلقاء يقوم بدور إيصال الكلام إلى المتلقي بطريقة واضحة بينه، ولهذا لابد من توفر ثلاثة عناصر هي: ١- عنصر الاتصال: فالإلقاء يقوم بإيصال الكلام إلى المستمع وبدون ذلك لا يعتبر الإلقاء إلقاء؛ لأن الكلام إن لم يصل إلى المستمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فقد فقد أهم شرط وهو التلقي.
1 / 18
٢- عنصر الوضوح:
ينبغي أن يكون الوضوح نصب عين من يلقي للناس قولا؛ ذلك لأن عدم الوضوح لاختلاف اللهجة أو العيب في النطق، أو العجمة، قد يؤدي إلى اللبس والغموض، والإلقاء يقوم على إيضاح المخارج الكلمة والجملة، وبهذا يتميز الإلقاء الجيد من غير الجيد.
٣- عناصر المعاني والبيان:
هو من أهم ميزات الإلقاء الجيد وبه يتمكن المستمع من بيان حقيقة ما يلقى إليه دون إبهام في المعنى، فعيب أن يكون من يلقي على الناس قولا ألا يبين، ولذا يمكن القول إن:
فن الإلقاء
هو فن نطق الكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه؛ ولذا ففن الإلقاء يتطلب:
١- توضيح الألفاظ.
٢- توضيح المعاني.
فتوضيح الألفاظ:
عن طريق النطق السليم وهذا يتطلب معرفة مخارج الحروف وصفاتها حتى لا تلتبس الكلمات.
وتوضيح المعاني، بأن يأتي المتحدث بالنغمة الصوتية التي تناسب المعنى حتى يبدو واضحا بينًا وله وقعه المناسب على آذان السامعين له أو المتلقين له،
1 / 19
وذلك بأن يتمثل معناه في نفسه في كل كلمة أو جملة، ولا يحول دون ذلك عيب أو علة لا تساعده على البيان.
ولكي تتوفر هذه العناصر الثلاثة لابد من وجود ثلاثة شروط تعين على ذلك، وتعرف بأصول فن الإلقاء، وهي: الموهبة، الاستعداد الشخصي، الدربة والمران.
- الموهبة:
فن الإلقاء يحتاج إلى أن يكون صاحبه ذا فطرة سليمة، وسليقة تعينه على النطق السليم، خاليا من العيوب الكلامية من لثغة وتأتأة وفأفأة، طلق اللسان يجيد إخراج الحروف من مخارجها، قادرًا على التحكم في نبرات صوته لا تعيبه لكنة ولا تحوله حبسة دون أن يبين، والموهبة تعد الأساس والمنطلق الذي يبنى عليه ومنه فن الإلقاء.
- الاستعداد الشخصي:
الاستعداد الشخصي له أهمية في مجال التفوق والنبوغ؛ ذلك لأن الموهبة وحدها لا تكفي للإلقاء فليس كل موهوب يجيد كل ما وهب الله له، فمن الناس من ينمي موهبته، ومنا من هو على خلاف ذلك، فالموهبة لابد أن يكون صاحبها عنده استعداد كامل، ورغبة ملحة في معرفة هذا الفن وممارسته، وهوايته، وحب العمل فيه، ذلك حتى تكون عنده البديهة المستعدة المتوثبة لمعرفة كل جوانب الفن، وتصبر على السير فيه حتى يتم له ما أراد، ولكي يسير السير السليم لابد له من الدربة والمران.
1 / 20
- الدربة والمران:
من الواضح أن الدربة لها أثرها في كل عمل، وأن الموهبة والاستعداد الشخصي يحتاجان إلى العقل والتعليم والممارسة، والناس منهم من يكون عنده استعداد فطري وشخصي، ولكن لا يمارس عملا ما فلن يبرز فيه، ولكي ندرك أهمية التدريب والممارسة علينا أن نقارن بين إنسان حصلت عنده ملكة أو موهبة قوية ولا يدرب نفسه، وبين إنسان قلّت موهبته وأخذ نفسه بالدربة والمران، فسنجد الذي قد تدرب فاق صاحب الموهبة.
إذن لابد من أن يأخذ الإنسان نفسه بالممارسة والمران لكي ينمي مواهبه التي فطر عليها، مدركين أن كثيرًا من الناس قد أصلحوا ملكة النطق فيهم بالمعاناة والممارسة، ذلك لكي يطب لعيوبه ويكمل النقص الذي يجده في نفسه، أو يجده غيره فيه.
ولا شك في أن التدريب يبعد عنك الرهبة من السامعين أو المشتركين معك في الإلقاء، ويمنحك الثقة بالنفس والشجاعة على المواجهة، بل إن فرسان هذا الفن هم أكثرهم تدريبًا في الميدان حتى صار هذا الفن جزءًا من حياتهم، وإن تاريخ فن الإلقاء يروي لنا العديد ممن كان التدريب أساس تفوقهم في هذا الميدان.
أهميته:
ولكي ندرك أهمية هذا الفن في حياتنا علينا أن نعلم أن ما من أمة من الأمم إلا وتنهض بفن التحدث والإلقاء في لغتها، وتصنع الأسس والقواعد والأصول التي تعين على ممارسة الإلقاء الناجح عبر وسائل الإعلام وبين الناس.
فقد صار فن الإلقاء وإجادة القول سبيلا من سبيل نجاح الخطيب
1 / 21
في خطبته، والمتحدث في حديثه والراوي في روايته، وأصبح طريقًا من طرق التغلب والسبق في دور القضاء والهيئات الدولية، والمجالس النيابية، والمحافل العامة والخاصة.
وأضحى وسيلة من وسائل الدعوة والإمامة أمام الدعاة في كل ميدان من ميادين الدعوة، وسبيلا من سبل الإفصاح عما تجيش به الخواطر وتتحدث به النفوس، ومما تتحفه الأقلام من مخزون القول ونفائس الحكم.
وهذه الدراسة سميت بفن الإلقاء ولم نقل: علم الإلقاء؛ وذلك لأن الإلقاء الجيد يعتمد أساسًا على الذوق والجمال في التعبير وإدراك أحوال المستمعين، قبل اعتماده على القواعد والقوانين، وفن الإلقاء أكثر دلالة على هذا الفن من فن الكلام أو علم الكلام، فعلم الكلام يراد به معنى الجدل وسمي أصحابه بالمتكلمين.
وهذه الدراسة تعتمد أيضًا اعتمادًا كبيرا على القواعد الدراسات العلمية الخاصة بفن الإلقاء؛ ذلك لأن القواعد تصقل الموهبة وتنمي قدراتها على الأداء وتخرج كوامنها من النفس.
1 / 22
الفصل الثاني: الأصوات اللغوية
كيف يحدث الصوت
...
الأصوات اللغوية:
كيف يحدث الصوت
خلق المولى الإنسان وعلمه البيان وجعل له لسانًا وشفتين ومده بأحبال صوتية وأجهزة دقيقة أحكم الباري -سبحانه- صنعها، والعجيب أن من الناس من يتكلم ولا يشعر أنه يأتي حدثًا مهمًا في حياته وهو النطق، بالكلمات عبر جهاز صوتي ضخم دقيق؛ ولذا نراه يتحدث وكأنه يأتي حدثًا غير عادي لا يستحق التأمل والدرس، ومن الناس من يحسن التكلم، ويتأمل فيما أودع الله فيه من أعضاء للنطق تعينه على البيان والإفصاح فيأتي كلامه وكأنه نغم حلو أحسن قوله وانسجم معناه.
وكثير منا من يبذل الجانب الأكبر من حياته في تعلم اللغة المكتوبة وكيفية كتابة الحرف وكيفية الْتِصَاقِهِ بالآخر حتى تتكون الكلمات، ولا يبذل جانبًا من حياته ليتعلم النطق السليم للغة التي يتحدث بها مع الناس، أو حتى يتعرف على أعضاء النطق وهذا أمر ضروري لكل من يحاول الاتصال بالناس أو يتحدث إليهم وخاصة إذا علم أن الكلمة المنطوقة تتميز بأنها وليدة الكلام، فهي لغة صوتية.
1 / 25
رمزية لا تدون على الورق، ولكنها لغة يصنعها الإنسان بجهازه الصوتي، ثم تنتقل عن طريق الإلقاء إلى المستمع.
وتعددت فروع الدراسات اللغوية، فاللغة في ذاتها عبارة عن أصوات ذات دلالة.
والأصوات يتولاها بالدراسة علم خاص هو علم الأصوات ويشتمل على مستويين من الدراسة:
١- علم الأصوات العام.
٢- علم الأصوات في سياقها أو علم الأصوات التشكيلي.
علم الأصوات العام أو المجرد:
هو العلم الذي يبدأ بدراسة التكوين التشريحي للجهاز النطقي دراسة تشريحية للتعرف على ما يتكون منه ودوره في عملية النطق.
ثم يدرس وظيفة الأجزاء التشريحية المباشرة في إنتاج الأصوات سواء بحركة عضوية لدفع الهواء أو حبسه أو السماح للهواء أن يمر محتكًا في موضع الصوت.
كما يدرس وظيفة العضو غير المباشر مثل وجود بعض التجاويف التي هي أشبه ما تكون بغرف الرنين التي تجمع الصدى وتشكل الصوت وتعطيه نغمته.
بل إن أي عطب في غرف الرنين الإنسانية يؤثر على طابع الصوت من: الزكام أو الرشح أو اللحمية التي تصيب الأنف.
فكل عضو من أعضاء النطق له وظيفته، وهذا يجعلنا أن نتعرف على:
1 / 26
علم الأصوات النطقي ARTICULATORY PHONETICS ويسمى كذلك علم الأصوات الوظائفي PHYSIOLOGICAL PHONETICS هو ذلك النوع من علم الأصوات الذي يهتم بدراسة حركات أعضاء النطق من أجل إنتاج أصوات الكلام أو الذي يعالج عملية الأصوات اللغوية، وطريقة هذا الإنتاج.
والسؤال: كيف يتم إنتاج الصوت؟ أو كيف يحدث الصوت حين ينطق أحدنا بالكلمات؟
عندما يستعد الإنسان للكلام العادي يستنشق الهواء، فيمتلئ صدره به، وإذا بدأ في النطق، فإن عضلات البطن تتقلص قبل أول مقطع صوتي يتكلم به، ثم تتقلص عضلات القفص الصدري بحركات تدفع الهواء إلى أعلى عبر الأعضاء المنتجة للأصوات، وتتواصل هكذا في حركات بطيئة مضبوطة إلى أن ينتهي الإنسان من الجملة الأولى، فإذا فرغ منها فإن عملية الشهيق تملأ الصدر ثانية وبسرعة؛ استعدادًا للنطق بالجملة التالية وهكذا.
والعملية الكلامية تتم في شكلها الأساسي عن طريق التحكم في هواء الزفير الصاعد من الرئتين إلى الجهاز الصوتي.
وتختلف العملية الكلامية عن التنفس العادي في أن الثاني يتم بصورة صامتة في العادة لتحرك تيار الهواء دون عائق، أما العملية النطقية فلا يمر الهواء معها حرًا طليقًا -كما يحدث في حالة التنفس- وإنما يصادف الهواء في اندفاعه إلى الخارج أنواعًا من الضغط والكبح والتعويق حتى يولد صوت؛ ولذا يقسم جهاز النطق الإنساني إلى ثلاثة أقسام:
1 / 27
١- أعضاء التنفس التي تقدم الهواء المطلوب الذي يتدفق لإنتاج معظم الأصوات اللغوية.
٢- الحنجرة التي تنتج معظم الطاقة الصوتية التي يستعملها الإنسان في الكلام، بل هي التي تقوم بتنظيم الهواء الذي يتدفق.
٣- التجاويف فوق المزمار، وهذه التجاويف هي التي تقوم بدور حجرات الرنين، وفيها يتم تشكيل الصوت المستعمل في الكلام، وهذه التجاويف أشبه ما تكون بحجرات الرنين.
حين يخرج الهواء من الرئتين، ويلتقي بالأوتار الصوتية، يتشكل على هيئة تنفس أو همس أو صوت، فحين يجد الهواء الأوتار الصوتية مفتوحة فتحًا تامًّا بحيث لا تتعرض طريقه عوارض، وهنا يمر الهواء دون أن يحدث صوتًا أو احتكاكًا أو ذبذبة، وهذا ما نسميه بالتنفس.
وحين يجد الهواء الأوتار متقاربة بحيث يمكن أن يحتك الهواء بالأحبال الصوتية يحدث ما نسميه بالهمس.
وحين يجد الهواء الأحبال الصوتية قريبة جدًا بحيث لا يمر بها دون أن يحدث ذبذبة، وفي هذه الحالة تنتج ذبذبات وهو ما اصطلح على تسميته بالجرس أو الصوت.
ويتحول هذا الجرس إلى حسٍ له درجة وله قيمة صوتية، ذلك بعد أن يمر بحجرات الرنين، ويتكون من مجموع الجرس والأصداء الرئيسية، صوت له مقوماته الخاصة نتيجة لتحرك أعضاء النطق في الإنسان.
1 / 28