Великое раздорение (часть первая): Усман
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Жанры
وكان عبد الرحمن رفيقا بنفسه آخذا بحظه مما أباح الله للمسلمين من طيبات الحياة، يؤدي للدين حقه كأحسن ما يكون أداء الحق. ولكنه بعد ذلك رجل من قريش يعيش كما كانت قريش تحب أن تعيش، لا يشتد على نفسه في الزهد، ولا يأخذها بالحياة الخشنة. وقد استأذن النبي في لبس الحرير لحكة كان يشكوها، فأذن له النبي في ذلك . وهم أن يستبيح الحرير لنفسه ولبنيه، ولكن عمر كفه عن ذلك، وشق ثوبا من حرير كان عبد الرحمن قد ألبسه لأحد بنيه كما قدمنا. ثم كان عبد الرحمن كغيره من معاصريه كثير الزواج كثير الولد. وقد أحصى له ابن سعد بضع عشرة امرأة غير أمهات الأولاد، وكلهن ولدن له البنين والبنات، ومات وعنده أربع نسوة أو ثلاث نسوة، على اختلاف في ذلك بين الرواة.
ولكن عبد الرحمن لم يكن يتزوج في حي بعينه أو حيين أو ثلاثة من أحياء العرب، وإنما كان يصهر إلى كثير من القبائل؛ فهو قد أصهر إلى غير حي من أحياء قريش، وأصهر إلى غير حي من أحياء اليمن، وأصهر إلى ربيعة في غير حي من أحيائها، فكان له من البنين والبنات من يعد أخواله في قريش، ومن يعد أخواله في الأنصار، ومن يعد أخواله في اليمانية المقيمة باليمن، ومن يعد أخواله في اليمانية المقيمة بين الشام والعراق، ومن يعد أخواله في تميم من مضر أو في بكر وتغلب من ربيعة.
ونظرة يسيرة إلى أنساب النساء اللاتي تزوجن عبد الرحمن بن عوف، كما رواها ابن سعد، تكفي لإثبات أن عبد الرحمن قد أصهر إلى أكثر أحياء العرب قوة وأشدها بأسا. فكان خليقا لو نهض بالأمر بعد عمر أن يجمع حوله عصبيات كثيرة، وأن يلائم بين هذه العصبيات ملاءمة حسنة، ولعله أن يقرب منها بين ما كان متباعدا أشد التباعد. وكان خليقا كذلك لو نهض بالأمر بعد عمر أن يقوم على الأموال العامة، كما كان يقوم على أمواله الخاصة، فيدبرها ويثمرها ولا يعطي منها إلا بالحق. وقد وضعه عمر في الشورى، وميزه من سائر أصحابه حين قال: «إن كان ثلاثة وثلاثة فاختاروا صف عبد الرحمن بن عوف.» ويوشك عمر أن يكون قد جعل عبد الرحمن رئيسا لمجلس الشورى ما دام قد جعل رأيه مرجحا عند تساوي الأصوات. وكان بين أصحاب النبي من كان يرشحه للخلافة، ويرى في استخلافه اتقاء لكثير من الشر، وتجافيا للفرقة التي كانت تنتظر أن ينهض بالأمر علي أو عثمان. ويظهر أن بين أعضاء الشورى أنفسهم من لم يكن يرى باستخلافه بأسا، ولو خير لآثره على عثمان لمكان عثمان من بني أمية.
ولو خير عثمان لآثره على علي لمكان علي من بني هاشم. وكان بين عبد الرحمن وعثمان صهر؛ فهو تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت الوليد بن عقبة، ثم كان بين عبد الرحمن وبين العبشميين صهر؛ فهو قد أصهر إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فكانت عنده إذن خالة معاوية. ثم أصهر إلى شيبة بن ربيعة بن عبد شمس. وهو قد أصهر كذلك إلى الأنصار. وأمه من بني أمية، وهو من بني زهرة، فكان خليقا أن يجمع عصبية قريش والأنصار جميعا إلى عصبيات القبائل الأخرى التي أصهر إليها. ولكنه على ذلك لم يرشح نفسه للخلافة، ولم يسمع لمن ألح عليه في هذا الترشيح، وإنما أسرع فأخرج نفسه من الأمر إخراجا، وأراد أن يكون حكما بين المتنافسين. وقد قبل المتنافسون حكمه بعد أن أخذ عليه علي موثقا من الله ليلزمن الحق غير محاب لصهر أو قرابة. فأعطى هذا الموثق عن رضا، واستقبل الأمر على النحو الذي وصفنا فيما مضى. وكان يقول: «لأن توضع حربة على حلقي حتى تنفذ من الجانب الآخر أحب إلي من أن ألي هذا الأمر.»
فهو إذن قد رفع نفسه عن الحكم وما يحيط به من الظنة والشبهات، وأعفى نفسه من التبعات، وآثر أن يكون رجلا من الناس، يفرغ لدينه، ويفرغ لدنياه، على أن تكون دنياه سبيله إلى دينه. وكان من الطبيعي بعد أن أصدر حكمه ورشح عثمان وأخذ له البيعة من أعضاء الشورى، وحمل الناس على مبايعته أن يكون رقيبا عليه من قريب.
ولم يكن عبد الرحمن في أول خلافة عثمان معارضا له، وإنما كان يؤيده ويرقبه، حتى تكلم الناس فسمع لهم وتشدد في مراقبته. ونظر الناس ذات يوم فإذا هو أحد المعارضين لعثمان في أمور الدين والسياسة جميعا. ثم نظروا ذات يوم فإذا هو لا يقف عند المعارضة، وإنما يقاطع عثمان فلا يزوره ولا يكلمه. وقد يغلو بعض الرواة فيزعم أنه ندم على توليته، وأنه قال لعلي ذات يوم: إن شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي حتى نجاهده. وأنه قال لبعض من حضره قبيل موته: عاجلوه قبل أن يسرف عليكم وعلى نفسه. ولكن هذه الأخبار خليقة ألا تخلو من التكلف، والشيء الذي ليس فيه شك هو أنه عارض عثمان في أمور الدين حين أتم الصلاة حيث كان النبي وصاحباه يقصرونها، وعارضه فيما أعطى لقرابته من الأموال.
الفصل الخامس عشر
وكان سعد بن أبي وقاص زهريا كعبد الرحمن، وقال النبي عنه ذات يوم وقد رآه مقبلا: «هذا خالي.» وقد قدمنا أن سعدا سبق إلى الإسلام فيمن سبق، حتى كان يقول: «لقد رأيتني وإني لثلث الإسلام.» وحتى كان يقول: «لقد أسلمت وما فرض الله الصلوات.» وقد أبلى فأحسن البلاء كغيره من أصحابه، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله. وفداه النبي بأبويه جميعا يوم أحد. وكان يتحدث بقصة أخيه عمير بن أبي وقاص الذي هاجر إلى المدينة غلاما حدثا، فلما استعرض النبي الخارجين معه إلى بدر رأى سعد أخاه عميرا يستخفي، فسأله عن ذلك فقال: أخشى أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعلي أن أستشهد. وقد رآه النبي فاستصغره فرده، وبكى الغلام فأذن له النبي في الخروج، وكان سعد يعقد له خمائل سيفه لصغره، وقد رزق الشهادة التي طلبها، فقتل فيمن قتل من المسلمين يوم بدر.
وكان سعد أثيرا عند رسول الله؛ مرض بمكة بعد الفتح فعاده النبي ودعا الله أن يشفيه حتى لا يموت في الأرض التي هاجر منها، وتحدث إليه في مرضه ذاك بحديث الوصية الذي يأمر بألا يوصي الإنسان بأكثر من ثلث ماله. وتركه في مكة وخلف عليه رجلا من أصحابه وقال له: إن مات سعد بعدي فادفنه ها هنا، وأشار إلى طريق المدينة. وقال لسعد: «إني لأرجو أن يرفعك الله فينفع بك قوما ويضر آخرين.» ويقال إن النبي تمنى على الله أن يستجيب لسعد إذا دعا. وقد استجاب الله دعاء النبي، فبرئ سعد من مرضه ذاك، وعاش حتى نكأ الله به قوما ونفع آخرين، فهو بطل القادسية، وهازم جند كسرى.
وقد جعله عمر بين الستة الذين جعل إليهم الشورى في أمر الخلافة؛ فكان مرشحا للخلافة إذن، ولكن عبد الرحمن خلعه منها كما خلع نفسه.
Неизвестная страница