Великое раздорение (часть первая): Усман
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Жанры
كان لها خطرها العظيم قبل أن تفتح حين كان النبي يجد في إخضاع بلاد العرب كلها للإسلام. فلما افتتحت وعبد الله فيها وأمن الإسلام شرها، أصبحت ولايات ثانوية بالقياس إلى تلك الولايات الجديدة التي تكلف المسلمون في فتحها وتمصيرها من الأنفس والأموال والجهود ما لا يقاس إليه ما تكلفوا في فتح تلك الولايات العربية الأولى.
ومن أجل ذلك كله نرى المسلمين إذا أرادوا أن يخرجوا من المدينة لم يفكروا في الذهاب إلى مكة أو الطائف أو اليمن، أو لم يفكر أكثرهم في الذهاب إلى هذه البلاد، وإنما فكروا في الذهاب إلى العراق أو الشام أو مصر؛ في هذه البلاد كان الصالحون منهم يلتمسون ثواب الآخرة بالتزام الثغور والإمعان في الفتح، وكان المكتسبون منهم يبتغون عرض الدنيا، يتاجر منهم من يتاجر، ويزارع منهم من يزارع، ويتقلبون في ضروب الكسب والغنى على اختلافها.
وقد مات عمر وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة الثقفي، وعلى البصرة أبو موسى الأشعري؛ فأقرهما عثمان عامه الأول. فلما انقضى هذا العام عزل المغيرة عن الكوفة وولى عليها سعد بن أبي وقاص الزهري عن وصية من عمر الذي تقدم إلى الخليفة من بعده إن أخطأت الخلافة سعدا أن يستعين به، قائلا: إني لم أعزله عن خيانة. ولكن سعدا لم يقم في الكوفة إلا عاما وبعض عام حتى اضطر عثمان إلى عزله.
وقد تحدث المؤرخون بأن عثمان قد اضطر إلى عزل سعد اضطرارا؛ حدث بينه وبين صاحب بيت المال عبد الله بن مسعود خلاف أغضب عثمان عليهما جميعا، فهم بهما، ثم كف عنهما واكتفى بعزل سعد.
وكان أصل هذا الخلاف غريبا حقا؛ فقد قيل: إن سعدا اقترض شيئا من بيت المال وأعطى به على نفسه صكا، فطلب إليه عبد الله بن مسعود أن يؤدي دينه، ولم يتيسر هذا المال لسعد، فطلب النظرة إلى ميسرة، وأبى ابن مسعود، واستعان كل من الرجلين على صاحبه بجماعة من أهل الكوفة: يريد ابن مسعود أن يستعين بأصحابه على سعد ليؤدي دينه، ويريد سعد أن يستعين بأصحابه على ابن مسعود لينظره إلى ميسرة، ثم يلتقي الرجلان ومع كل واحد منهما أصحابه، فيتلاحيان، ويهم سعد، فيما يقول الرواة، أن يدعو على ابن مسعود، فيجزع ابن مسعود من ذلك ويولي مسرعا؛ لعلمه بأن النبي كان قد دعا الله أن يستجيب لسعد كلما دعاه. قال الرواة: إن سعدا رفع يديه وقال: اللهم رب السموات والأرض. فقال له ابن مسعود: ويلك! قل خيرا. ثم ولى مسرعا. وارتفع الأمر إلى عثمان فغضب عليهما جميعا، وهم بهما، ثم كف، وعزل سعدا وأخذ منه ما كان عليه، وترك ابن مسعود على بيت المال، وأرسل إلى الكوفة واليا جديدا.
والرواة متفقون على هذه القصة، ولكني أقف منها موقف التحفظ الشديد، ففيها أمور تدعو إلى هذا التحفظ ؛ فقد تقدم عمر إلى الخليفة من بعده أن يولي سعدا وقال إنه لم يعزله عن خيانة. وأيسر ما تصور لنا هذه القصة أن سعدا قد اقترض من بيت المال ثم التوى بدينه أو ماطل في أدائه. وما هكذا يكون من اختاره عمر للشورى ورشحه للخلافة وتقدم إلى الخليفة من بعده إن صرفت الخلافة عن سعد أن يستعين به. ولم يعرف أحد عن عمر أنه أمر أو نهى ليؤثر أحدا بخير من دون الناس، وإنما أمر ونهى دائما ليؤثر عامة المسلمين بالخير. فهو حين تقدم إلى الخليفة في تولية سعد لم يكن يريد أن يرضي سعدا ولا أن يحابيه ولا أن يقدمه على غيره من أصحابه، وإنما نصح للخليفة وللمسلمين وأمرهم أن يستعينوا بكفاية سعد، وبكفايته في أمور الحرب خاصة. فلم تكن أمور بلاد الفرس على خير ما يحب المسلمون، قد أزيل سلطانها جملة، ولكن شوكتها لم تخضد بعد. فكسرى يزدجرد قد انهزم، ولكنه لم يقتل ولم يؤسر ولم يخرج من بلاده، وإنما هو مقيم فيها يتنقل بالفلول بين أقاليمها ومدنها ودساكرها. وفي هذه البلاد مدن كثيرة، بعضها لم يصل إليه المسلمون بعد، وبعضها قد صالح المسلمين ولكن على دخل، فهو ينتهز الفرصة وينتقض كلما وجد إلى الانتقاض سبيلا؛ فقد بدئ فتح بلاد الفرس وتقدم مسرعا إلى غايته، ولكنه لم يبلغ هذه الغاية بعد. وسعد بن أبي وقاص هو بطل القادسية، وهو قاصم دولة الأكاسرة؛ فليس غريبا أن يفكر فيه عمر ليتم من الفتح ما بدأ. وأكبر الظن أن عمر لو عاش لرد سعدا إلى الكوفة وأمره بالمضي إلى عدوه حتى يتم الله الفتح على يديه. وسعد صاحب السابقة المعروفة في الإسلام، حتى إنه كان يقول: والله لقد كنت أراني ثلث الإسلام. يريد أنه أسلم بعد أبي بكر فكان ثالث ثلاثة؛ أولهم النبي، وثانيهم أبو بكر، أو أنه أسلم بعد أبي بكر وزيد بن حارثة، فكان ثالث ثلاثة سبقوا بالاستجابة إلى دعوة رسول الله. وسعد، فيما اتفق عليه الرواة والمحدثون، أول من رمى بسهم في سبيل الله حين خرج في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى بطن رابغ.
وسعد هو الذي فداه رسول الله بأبيه وأمه يوم أحد، ولم يجمع لأحد بين أبويه غيره، وذلك حين ثبت بين الذين ثبتوا مع رسول الله وجعل ينضح عنه بسهامه، وكان أرمى الناس بسهم، فكان النبي يقول له: «ارم سعد، فداك أبي وأمي.» فمن أتيح له أن يكون ثالث ثلاثة في الإسلام، وأول رام بسهم في سبيل الله، وأن يفديه رسول الله بأبيه وأمه، وأن يرضى عنه رسول الله ويجعله في العشرة الذين ضمن لهم الجنة، وأن يقصم دولة الفرس وينتصر يوم القادسية، وأن يحضره عمر الشورى ويرشحه للخلافة، ويتقدم في توليته إن صرفت الخلافة عنه - من أتيح له هذا الفضل كله لا يمكن أن يلتوي على بيت المال بدين قل أو كثر، ولا أن يشك فيه ابن مسعود هذا الشك، ولا أن يغضب عليه عثمان فيهم به ثم يعفو عنه بعد أن يأخذ منه ما كان عليه. وأكبر الظن أن عمر لم يتقدم إلى الخليفة من بعده في تولية سعد ولاية ما، وإنما تقدم إليه في تولية سعد الكوفة خاصة؛ لأنها كانت المصر الذي كان يجب أن يستقر فيه سعد، وأن يتجه منه إلى إتمام الفتح في ذلك الوجه من وجوه الحرب. وإنه لغريب حقا أن يسوء ظن ابن مسعود بسعد وهو يعلم سابقته ومكانه من النبي ومن صاحبيه ورأي النبي فيه. فقد كان ابن مسعود من ألزم الناس للنبي، وأرواهم عنه للسنة، وأحفظهم عنه للقرآن، وأعلمهم برأيه في أصحابه. وأغرب من ذلك أن يشك فيه ويلح عليه في أداء دينه، حتى إذا هم سعد بالدعاء عليه أخذه الإشفاق والجزع، فترضاه وولى مسرعا. إنما لزم سعد موقف الحياد حين كانت الفتنة، وأبى أن يقاتل مع أولئك أو هؤلاء من المختصمين، حتى يأتوه بسيف مبصر عاقل ناطق ينبئه بأن هذا مسلم وهذا كافر، فكان موقفه هذا مصدرا لهذه القصة الغريبة. ولو قد انحاز سعد لأنصار علي لدافعت عنه الشيعة، ولو قد انحاز لأنصار عثمان لدافعت عنه العثمانية، ولكنه وقف من المختصمين موقف المعتزل، فوقف المختصمون منه هذا الموقف نفسه.
وأكاد أعتقد أن وجه الحق في عزل سعد، أن بني أمية وآل أبي معيط كانوا يتعجلون الولاية ويحتالون في الوصول إليها، ويلحون على عثمان في أن يمهد لهم إليها الطريق. وآية ذلك - فيما أظن - أن عثمان حين عزل سعدا لم يول على الكوفة أحدا من كبار أصحاب النبي، لا من المهاجرين ولا من الأنصار، لم يرسل إليها طلحة ولا الزبير ولا عبد الرحمن ولا محمد بن مسلمة ولا أبا طلحة، وإنما أرسل إليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط. ولم يكن المسلمون يطمئنون إلى الوليد بن عقبة؛ لأنه غش النبي وكذب عليه، وكفر بعد إسلام، وأنزل الله فيه قرآنا فقال:
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . كان ذلك حين أرسله النبي مصدقا في بني المصطلق، فعاد إلى النبي يزعم أنهم منعوه الصدقة، فخرج النبي إليهم غازيا، ثم تبين كيد الوليد وأنبأه الله بجلية الأمر. وقد عاد الوليد إلى إسلامه حين لم يكن بد من العودة إلى الإسلام، وأصلح من سيرته ما استطاع. وقيل: إن عمر قد استعمله على صدقة بني تغلب في الجزيرة. والفرق بين أن يرسله عمر أو وال من ولاة عمر إلى صدقة حي من نصارى العرب البادين في الجزيرة، وبين أن يوليه عثمان مصرا من أعظم أمصار المسلمين وأكثرها ثغورا، وأن يوليه مكان سعد بن أبي وقاص؛ هذا الفرق عظيم جدا.
فالذين أنكروا تولية الوليد على الكوفة مكان سعد لم يبعدوا؛ فليس من شك في أن هذه التولية كانت أمرا عظيما.
Неизвестная страница