Великое раздорие (часть вторая): Али и его сыновья
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Жанры
وأصبح الناس في معسكرهم في الموعد الذي ضربه لهم إمامهم، وكتب علي إلى أهل البصرة، فجاءه منهم جند صالح، ولم يشخص ابن عباس هذه المرة، وإنما اكتفى بتسريح الجند إلى علي، ونهض علي بأصحابه يريد الشام، ولكنه لم يمض بهم إلا قليلا حتى جاءته أنباء قلبت خطته كلها رأسا على عقب، وكانت تلك الأنباء متصلة بأمر الخوارج، فهم كانوا رجعوا مع علي كما رأيت، وظنوا أنه قد عدل عن القضية، فلما رأوا أنه ماض فيها عادوا إلى تحكيمهم وخرجوا أرسالا من الكوفة، منهم من خرج سرا ومنهم من خرج مباديا بخروجه لا يتستر ولا يحتاط، وكتبوا إلى إخوانهم من أهل البصرة فانضموا إليهم في بعض الطريق وساروا جميعا إلى النهروان.
وكان علي يعلم هذا كله ويقول دائما مقالته المشهورة: «كلمة حق يراد بها باطل.» يقولها كلما سمع تحكيمهم أو تحدث إليه أحد بهذا التحكيم، وكان كذلك يقول: لا نمنعهم الفيء ولا نهيجهم ولا نبغيهم شرا ما لم يحدثوا حدثا أو يفسدوا في الأرض. وكان يقول: إن سكتوا تركناهم وإن تكلموا حاججناهم وإن أفسدوا قاتلناهم.
ويقال إنه كتب إليهم ينبئهم بافتراق الحكمين على غير اتفاق ويدعوهم إلى أن يكونوا مع أصحابهم للشخوص إلى حرب أهل الشام، ولكنهم أبوا عليه، وقالوا: قد دعوناك إلى ذلك قبل القضية فأبيت، فأما الآن فإنا نأبى عليك لأنك لا تقاتل لله وإنما تقاتل لنفسك. كنت تظن أن قرابتك من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ستحمل الناس على ألا يعدلوا بك أحدا، فلما رأيت أنهم قد انحرفوا عنك نهضت لقتالهم تبتغي الدنيا، فلسنا منك ولا من الدنيا التي تبتغيها في شيء، إلا أن تشهد على نفسك بالكفر، ثم تتوب كما تبنا، فإن فعلت فنحن معك على عدوك، وإلا فليس بيننا وبينك إلا السيف.
ومع هذا كله لم يرد علي أن يهيجهم وإنما أزمع المضي إلى الشام، وقال: لعلهم يتدارسون أمرهم ويثوبون إلى رشدهم، ولكن الأنباء تصل إليه بأنهم قد نشروا الفساد في الأرض، فقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، وخباب من خيار الصحابة، وقتلوا نسوة كن مع عبد الله، وجعلوا يستعرضون الناس ويذيعون الذعر، فأرسل إليهم علي رجلا من أصحابه يسألهم عن هذا الفساد، ويطلب إليهم أن يسلموا إليه أولئك الذين استحلوا قتل النفس التي حرم الله بغير الحق، فلم يكد الرسول يدنو منهم حتى قتلوه، وجاء الخبر عليا، فكره أصحابه أن ينهضوا إلى الشام ويتركوا من ورائهم هؤلاء الخوارج يفسدون في الأرض ويستبيحون أموالهم وعيالهم وهم غائبون. وألحوا على إمامهم في أن ينهض بهم إلى هؤلاء الخوارج، حتى إذا فرغوا منهم تحولوا إلى عدوهم من أهل الشام فحاربوا وهم مطمئنون على ما وراءهم.
وسمع لهم علي، فسار بهم إلى النهروان، حتى إذا صار بإزاء الخوارج جعل يطلب إليهم قتلة عبد الله بن خباب ومن كان معه، وقتلة رسوله إليهم، فلا يظفر منهم إلا بجواب واحد هو: «كلنا هؤلاء القتلة.» وجعل علي يعظهم بالكتابة مرة وبالخروج إليهم ووعظهم مشافهة مرة أخرى، وقد أجدى وعظه هذا فجعل كثير من الخوارج يتسللون ويعودون إلى الكوفة، وجعلت طوائف منهم تعتزل جيش الخوارج، منهم من يعود إلى جيش علي، ومنهم من يعتزل الحرب دون أن يعود إلى الجماعة، حتى لم يبق حول عبد الله بن وهب الراسبي ذي الثفنات رئيس الخوارج إلا ثلاثة آلاف أو أقل من ذلك أو أكثر من ذلك قليلا. فلما استيأس علي من هؤلاء عبأ جيشه وأمر بألا يبدءوهم بقتال حتى يقاتلوا هم، ولم يكد الخوارج يرون التعبئة حتى تعبئوا، وينتصف النهار ذات يوم وإذا هذه الفئة القليلة من الخوارج تتحرق إلى الحرب تحرق الظمآن إلى الماء، وإذا مناديهم يصيح فيهم: «هل من رائح إلى الجنة؟» فيتصايحون جميعا: «الرواح إلى الجنة.» ثم يشدون على جيش علي شدة منكرة تنفرج لها خيل علي فرقين: فرق يمضي إلى الميمنة وفرق يمضي إلى الميسرة، والخوارج يندفعون بين الفرقين، فيلقاهم رماة علي بالنبل فيصرعون منهم خلقا كثيرا، ثم يلتئم الفرقان من الخيل، وما هي إلا ساعة حتى يقتل الخوارج عن آخرهم، وفيهم رئيسهم ذو الثفنات وجماعة كانوا قبل التحكيم من أشد الناس نصحا لعلي وجهادا في سبيله؛ لأنهم كانوا يرون سبيله هي سبيل الله.
وينظر أصحاب علي إلى علي فإذا هو قلق لا يطمئن، يطلب إلى من حوله أن يلتمسوا ذا الثدية، رجلا مخدج اليد، على عضده شامة تشبه ثدي المرأة، وعلى هذه الشامة شعرات سود، فيبحث الناس عنه في القتلى والصرعى، ثم يعودون فيقولون: بحثنا ولم نجد. ويزداد علي قلقا ويقول: «والله ما كذبت ولا كذبت، ويحكم! التمسوا الرجل فإنه في القتلى.» فيبحثون ثم يأتي آت فينبئ عليا بأنهم قد وجدوه، فإذا سمع النبأ خر ساجدا وسجد معه من كان حوله من أصحابه، ثم يرفع رأسه يقول: «والله ما كذبت ولا كذبت، ولقد قتلتم شر الناس.»
ويتحدث المؤرخون والمحدثون وأصحاب السير بأن هذا الرجل المخدج ذا الثدية هو الذي قال للنبي
صلى الله عليه وسلم
Неизвестная страница