Великое раздорие (часть вторая): Али и его сыновья
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Жанры
ونظر معاوية فإذا هو قد أصبح يلقى عليا وجها لوجه، وهو بعد ذلك لم يتعرض لحرب، لم يكلم أحدا ولم يكلمه أحد؛ قوته موفورة، وعدته كاملة، وأصحابه وافرون لم يصابوا في أنفسهم ولا في أموالهم، وهم قد اجتمعوا على حبه ونصره حتى يثأر لابن عمه الخليفة المظلوم.
فأما علي فقد خاض حربا منكرة قتل فيها من شيعته ومن عدوه خلق كثير، فعدوه واجدون عليه لأنه وترهم فيمن قتل منهم، وشيعته لا تبرأ من الواجدين عليه لأنه قتل إخوانهم في حرب البصرة.
فإذا أضفت إلى ذلك أن الفرق بين علي ومعاوية في السيرة والسياسة كان عظيما بعيد المدى، عرفت أن معاوية كان ينتظر عليا في ثبات وثقة واطمئنان. كان الفرق بين الرجلين عظيما في السيرة والسياسة، فقد كان علي مؤمنا بالخلافة كما تصورها المسلمون أيام أبي بكر وعمر وفي الصدر الأول من خلافة عثمان، يرى أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، لا يؤثر منهم أحدا على أحد؛ ويرى أن من الحق عليه أن يحفظ على المسلمين مالهم لا ينفقه إلا بحقه، فهو لا يستبيح لنفسه أن يصل الناس من بيت المال، بل هو لا يستبيح لنفسه أن يأخذ من بيت المال لنفسه وأهله إلا ما يقيم الأود لا يزيد عليه، وإن استطاع أن ينقص منه فعل. وكان علي لا يحب الادخار في بيت المال وإنما ينفق منه على مصالح المسلمين، فإن بقي بعد ذلك شيء قسمه بين الناس بالعدل.
وكان يحب أن يدخل بيت المال فإن وجد فيه شيئا لا يحتاج إليه لمصلحة عامة فرقه بين الناس بالقسط، ثم يأمر ببيت المال، فيكسح وينضح بالماء، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يقول: هكذا يجب أن يكون بيت المال. كان علي إذن في إنفاق دائم على الناس، ولكن على أساس ثابت من العدل والقسط.
فأما معاوية فكان يسير سيرة أقل ما توصف به أنها سيرة الرجل العربي الجواد الداهية، يعطي الناس ما وسعه إعطاؤهم، ويصل الذين يريد أن يتألفهم من الرؤساء والقادة، لا يجد في ذلك بأسا ولا جناحا، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، وكان الزاهدون يجدون عند علي ما يحبون.
وما رأيك في رجل جاءه أخوه عقيل بن أبي طالب مسترفدا، فقال لابنه الحسن: إذا خرج عطائي فسر مع عمك إلى السوق فاشتر له ثوبا جديدا ونعلين جديدتين. ثم لم يزد على ذلك شيئا؟ وما رأيك في رجل آخر يأتيه عقيل هذا نفسه بعد أن لم يرض صلة أخيه فيعطيه من بيت المال مائة ألف؟
كان معاوية إذن يعتمد على مذهبه هذا في السياسة، ويعلم أنه سيضم إليه كل من كان له أرب في الدنيا، ثم لم يكن يقف صلاته على أهل الشام، وإنما كان له عيونه في العراق يرغبون ويرهبون ويوصلون الأموال سرا، ولم يكن علي من هذا كله في شيء، لم يكن يحرص على شيء كما كان يحرص على الأمانة في المال وعلى الوفاء بالعهد وعلى ألا يدهن في الدين، ولم يكن يبغض شيئا كما كان يبغض وضع درهم من بيت مال المسلمين في غير وضعه أو إنفاقه في غير حقه، كما كان يبغض المكر والكيد وكل ما يتصل بسبب من أسباب الجاهلية الأولى، كان الحق أمامه بينا، فكان يمضي إليه مصمما ويدعو أصحابه إلى أن يمضوا إليه مصممين.
وكان الباطل بينا، فكان يعرض عنه عازما ويدعو أصحابه إلى أن يعرضوا عنه عازمين، وكان له من أجل ذلك أنصار يحبونه ويخلصون له الحب ويذودون عن سلطانه بأنفسهم وأموالهم، وهو لذلك لم يكد يستقر في الكوفة حتى جعل أصحابه يطلبون إليه أن ينهض بهم إلى عدوهم من أهل الشام، ولكنه على ذلك أبى أن يمضي إلى الشام قبل أن يرسل السفراء إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه الناس، لتكون حجته ظاهرة، وليتبعه من تبعه على بينة من أمره وعلى هدى من الله.
الفصل السابع عشر
وقد أرسل علي رجلا من أصحاب النبي؛ هو جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، يطلب إليه أن يبايع وأن يدخل فيما دخل فيه الناس، ويبين له حجة علي فيما يطلب إليه. وانتهى جرير إلى معاوية فكلمه ووعظه وألح عليه في الكلام والوعظ، ولكن معاوية جعل يسمع منه ولا يقول له شيئا، وإنما يطاوله ويسرف في مطاولته، ويدعو مع ذلك وجوه أهل الشام ورؤساء الأجناد فيظهر مشاورتهم فيما يطلب إليه علي، ويعظم لهم قتل عثمان ويحرضهم على الوفاء للخليفة المظلوم والطلب بدمه.
Неизвестная страница