Великое раздорие (часть вторая): Али и его сыновья
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Жанры
وما أريد أن أدخل فيما أكره الدخول فيه دائما من القول في رضى الله عن هذا الاستلحاق أو غضبه عليه، فأمر ذلك إلى الله وحده، وإنما أحب ألا أتجاوز السياسة والتاريخ، وقد ألف المسلمون منذ عهد النبي ألا يتبنى رجل من كان له أب معروف، أمر بذلك القرآن، وحرج النبي في ذلك على المسلمين أشد التحريج، كما رأيت في حديث عبد الله بن عمر وأبي بكرة: «من ادعي لغير أبيه متعمدا حرمت عليه الجنة.»
ويزيد أمر هذا الاستلحاق تعقيدا أن معاوية لم يرد إلى الاستلحاق الغامض العام، وإنما أراد أن يضع النقط فوق الحروف، كما يقول الناس في هذه الأيام، وأن يثبت أن زيادا هو ابن أبي سفيان لصلبه، فأشهد الشهود على أبيه بأنه عرف سمية في موطن من مواطن الإثم، وزاد بعض الشهود، فقال: إنه راود سمية عن أن تلم بأبي سفيان، فقالت له: إذا جاء عبيد الرومي من غنمه ووضع رأسه فنام أتيته، فورط معاوية نفسه وورط زيادا معه في نكر عظيم، وجرأ يونس بن عبيد على أن يقول له: قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقد جعلت الولد للعاهر وللفراش الحجر.
فقد خالف معاوية إذن مخالفة ظاهرة عما ألف المسلمون من حكم دينهم، وشاركه زياد في هذه المخالفة، وكان قد بايع المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، فهو بهذا الاستلحاق عمل بغير ما أمر الله ورسوله، فلا غرابة في أن يرى جماعة من صالحي المسلمين أن بيعته قد أصبحت لا تلزمهم، وأن يخضعوا له كارهين لا طائعين، وساخطين لا راضين، وأن يتربصوا الدوائر وينتهزوا الفرص ليخرجوا حين يتاح لهم الخروج.
الفصل الخمسون
ولم يكد زياد يلي البصرة حتى سار في الناس سيرة تناقض كل المناقضة سيرته فيهم حين كان عاملا لعلي، وحتى اعتمد في سياسته لهم على الإرهاب أكثر مما اعتمد على أي شيء آخر.
وليس من شك عندي في أن مرجع ذلك ليس إلى حاجته وحاجة معاوية إلى ضبط العراق وحمل أهله على الطاعة فحسب، ولكن إلى عقدة نفسية أدركته وأفسدت عليه أمره بعد الاستلحاق، فهو كان يعرف رأي المسلمين في نسبه هذا الجديد، وكان يعرف إنكارهم له واستهزاءهم به، وكان يعلم أن العرب لا تسخر من شيء كما تسخر ممن يدعى لغير أبيه، وقد حمله ذلك على أن يسوس الناس بالخوف والذعر، ويحول بينهم وبين أن يجمجموا بما في نفوسهم من نسبه واستلحاقه وسيرته وسيرة معاوية في أمور المسلمين، فوفق إلى ذلك أشنع التوفيق وأشده نكرا، خاض إليه دماء الناس، وأهدر في سبيله حقوقهم وكرامتهم، وأحدث فيهم من ألوان الحكم ما لم يعهدوه من قبل، وزعم - كما سترى في خطبته - أن الناس أحدثوا أشياء لم تكن، وأنه أحدث لكل ذنب عقوبة، ومعنى ذلك أن ما بين الله ورسوله للمسلمين من الحدود، وما ساس به الخلفاء الراشدون أمور الناس، لم يكن في رأي زياد كافيا لحمل أهل البصرة وأهل الكوفة على الجادة، والرجوع بهم إلى الصراط المستقيم.
وقد رأينا بعض هذه الأشياء التي أحدثها الناس بعد أن لم تكن، والتي استحدث لها زياد عقوبات غير مألوفة، فهو رأى الناس يحرقون الدور على من فيها، فقال: من حرق قوما حرقناه. وعسى أن يكون زياد قد شارك في إحداث هذا التحريق في البصرة، حتى رضي عن تحريق جارية بن قدامة للدار التي أوى إليها ابن الحضرمي وأصحابه، على من فيها، ورأى الناس يغرق بعضهم بعضا، فقال: من غرق قوما غرقناه. ورأى الناس ينقبون البيوت، فقال: من نقب على قوم نقبنا عن قلبه. ورأى الناس ينبشون القبور، فقال: من نبش قبرا دفناه حيا فيه. وقد كان في ضبط الأمر بما وضع الله ورسوله للناس من حدود، وفي التشدد في هذا الضبط ما يغنيه عن الشناعات، ولكنه شرع ألوانا من الحكم العرفي لم يقرها الإسلام ولم يألفها المسلمون، ثم أسرف على نفسه وعلى الناس، فعاقب بالموت على دلج الليل، ولم يقبل لأحد عذرا حتى إذا استبان صدقه.
واقرأ إن شئت خطبته تلك، فسترى أنها أول خطبة جهر فيها أمير من العقوبات بما لم يعرفه الإسلام من قبل، وبما لم يعرفه أمير من أمراء معاوية في عصره، ولم يصدق الناس نذير زياد حين سمعوا؛ لأنهم أعظموا ذلك، وقدروا أنه لا يريد إلا الإرهاب، مع أنه قال لهم في خطبته تلك: «إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي أمثالها.» ولكن الناس رأوا أنه يصدق قوله بفعله، فيقتل المدلج وإن كان له عذر صادق مقبول، ويأخذ الجار بالجار والولي بالمولى والبريء بالمسيء، ويسرف في قتل الناس حتى يقول بعضهم لبعض: انج سعد فقد هلك سعيد.
Неизвестная страница