الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري
الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري
Издатель
مكتبة الخانجي
Место издания
مصر.
Жанры
أنَّ اتهام سعيد لربيعة بـ «العراقية» مع اهتمام ربيعة بدفع هذه التهمة عنه - يدعونا إلى استنباط أن التهمة التِي يُرْمَى بِهَا العِرَاقُ لم تكن الرأي الفقهي واستعماله، لأن سعيدًا وربيعة يستعملان الرأي ويكثران منه - فليس معقولًا أَنْ يُنْكِرَا على غيرهما ما يستعملانه، أَوْ يُحَرِّمَا على علماء العراق ما يستحلانه، وإنما كان إنكارهما على أهل العراق - في غالب الظن - تقديم الرأي على النص في بعض المسائل فضلًا عما فيه من الآراء المتطرفة في العقيدة، التي اعتنقتها الفرق السياسية والدينية المختلفة، والتي وجدت في العراق بيئة صالحة لنموها لما تعاقب عليه من حضارات وديانات متنوعة، وثقافات مختلفة وأجناس متباينة، حتى أصبح مأوى الخارجين على السلطة المركزية، وملتقى الأفكار الشاذة، منه نشأت معظم الفتن التي أجهدت المسلمين، وفيه نبتت جل الأفكار الغريبة عن فطرة الإسلام، حتى أصبح العراق عَلَمًا على المخالفات المتطرفة والبدع المضللة، وكل هذا يلقي ظلاله على الآراء الفقهية، يوضح هذا ما قاله ربيعة عندما عاد من العراق كارهًا له، مُؤْثِرًا العودة إلى المدينة، فقد سأله أهلها: كَيْفَ رَأَيْتَ العِرَاقَ وَأَهْلَهُ؟ فَقَالَ: «رَأَيْتُ قَوْمًا حَلَالُنَا حَرَامُهُمْ، وَحَرَامُهُمْ حَلَالُنَا، وَتَرَكْتُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أْلْفًا يَكِيدُونَ هَذَا الدِّينَ» (١) (*).
ويزكي هذا الاستنباط أن أعلام مدرسة العراق أنفسهم كانوا ينكرون ما ظهر فيهم من الآراء المتطرفة: فإبراهيم النخعي - وهو لمدرسة العراق كسعيد بن المسيب لمدرسة المدينة - يقول: «وَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيمَا أَحْدَثُوا مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَيْرٍ» ويعلق الراوي على هذه العبارة بقوله: «يَعْنِي أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَالرَّأْيِ وَالقِيَاسِ» (٢) وإقحام الرأي الفقهي والقياس فيما يعنيه
_________
(١) " ضحى الإسلام ": ٣/ ١١٠.
(٢) " حلية الأولياء ": ٤/ ٢٢٢.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي "، للحجوي الثعالبي (ت ١٣٧٦ هـ)، تخريج وتعليق عبد العزيز عبد الفتاح القارئ، الطبعة الأولى ١٣٩٦ هـ، ١/ ٣١٢، دار التراث - القاهرة. وطبعة دار الكتب العلمية، تحقيق أيمن صالح شعبان، ١/ ٣٨٠، الطبعة الأولى ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م. إلا أن الحجوي لم يذكر المصادر التي اعتمدها في قول ربيعة الرأي هذا.
1 / 41