القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
Жанры
بيان المنفعة الجلية والمنفعة الخفية
ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا)، وهذا لفظ حديث لكنه ضعيف باتفاق المحدثين، والصحيح أنها قاعدة متفق عليها في باب المعاملات، فالإجماع قائم على هذه القاعدة.
ولها صور خفية وصور جلية: أما الصور الجلية فكأن يعطيه مائة، وبعد عام أو شهر أو غير ذلك يأخذ مائة وعشرين مثلًا، فهذا قرض جر نفعًا جليًا.
وكذلك إذا أعطاه شيئًا رديئًا بشرط أن يرد له شيئًا جيدًا، فهذا أيضًا قرض جر نفعًا جليًا فيدخل تحت القاعدة.
أما الخفي: فكأن يذهب ليشتري من الصائغ ذهبًا، ومن شروط صحة بيع الذهب التقابض في المجلس، فإذا لم يجد المشتري كامل المبلغ، فقال له البائع: خذ هذا المبلغ قرضًا ثم اشتر به الذهب، وفيما بعد سدد إلي القرض، فإن هذه المعاملة لا تصح؛ لأن هذا قرض يجر نفعًا خفيًا، وهذا النفع صورته أن المشتري لو ذهب إلى البيت ليأتي بالمال، فإنه يمكن أن يشتري من محل آخر، ولا يشتري من هذا المحل، فلما أعطاه البائع المال فإنه ضمن أنه سيشتري منه، فيكون هذا القرض قد جر نفعًا، فلا يصح، ويقع في الربا.
من أمثلة ذلك أيضًا: رجل ليس عنده عمل وهو غني، لكن يريد أن يعمل ويكسب بيده، فما وجد عملًا حتى جاءه رجل فقير عنده وجاهة بين الناس، ويمكن أن يشفع له في عمل، والرجل الفقير هذا يحتاج مالًا، فأعطاه الغني مالًا قرضًا -أي: يعيده بدون زيادة ولا نقصان- على أن يشفع له في عمل، فلما أخذ الرجل القرض فرح به جدًا، واشتدت همته بالشفاعة حتى يعمل هذا الرجل الغني.
فهذه المعاملة يلام عليها؛ لأن هذا القرض جر نفعًا، فقد شفع ازدادت همته في الشفاعة له عندما أقرضه هذا القرض، مع أنه سيقضي القرض بدون زيادة ولا نقصان، ولكنه قرض جر نفعًا خفيًا.
فإذًا (كل قرض جر نفعًا فهو ربا)، فلا يصح القرض الذي يجر منفعة، سواء كانت هذه المنفعة جلية أم خفية، والمنفعة الخفية قد تدخل في التحليل على شرع الله، كما قال ﷺ عن اليهود: (قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الشحم فجملوه ثم أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه).
19 / 6