69

Фикх сиры

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Издатель

دار الفكر

Номер издания

الخامسة والعشرون

Год публикации

١٤٢٦ هـ

Место издания

دمشق

Жанры

والجواب: أن في هذا إلماحا إلى درجات المسؤولية التي تتعلق بكل مسلم عموما وأصحاب الدعوة خصوصا. فأدنى درجة في المسؤولية هي مسؤولية الشخص عن نفسه. ومن أجل إعطاء هذه الدرجة حقها استمرت فترة ابتداء الوحي تلك المدة الطويلة التي رأيناها، أي ريثما يطمئن محمد ﷺ إلى أنه نبي مرسل، وأن ما ينزل عليه إنما هو وحي من الله ﷿ فيؤمن هو بنفسه أولا ويوطن ذاته لقبول كل ما سيتلقاه من مبادئ ونظم وأحكام. أما الدرجة التي تليها، فهي مسؤولية المسلم عن أهله ومن يلوذون به من ذوي قرباه. وتوجيها إلى القيام بحق هذه المسؤولية خصص الله الأهل والأقارب بضرورة الإنذار والتبليغ بعد أن أمر بعموم التبليغ والجهر به. وهذه الدرجة من المسؤولية يشترك في ضرورة تحمل أعبائها كل مسلم صاحب أسرة أو قربى. وليس من اختلاف بين دعوة الرسول في قومه ودعوة المسلم في أسرته بين أقاربه، إلا أن الأول يدعو إلى شرع جديد منزل عليه من الله تعالى، وهذا يدعو بدعوة الرسول الذي بعث إليه، فهو يبلغ عنه وينطق بلسانه. وكما لا يجوز للنبي أو الرسول في قومه أن يقعد عن تبليغهم ما أوحي إليه، فكذلك لا يجوز لرب الأسرة أن يقعد عن تبليغ أهله وأسرته ذلك، بل يجب أن يحملهم على اتباع ذلك حملا ويلزمهم به إلزاما. أما الدرجة الثالثة: فهي مسؤولية العالم عن حيه أو بلدته، ومسؤولية الحاكم عن دولته وقومه، وكل منهما ينوبان في ذلك مناب رسول الله ﷺ، إذ هما الوارثان الشرعيان له، لقوله ﵊: «العلماء ورثة الأنبياء» . ولتسمية الإمام والحاكم خليفة، أي خليفة لرسول الله. على أن العلم والدراية من لوازم الإمام والحاكم في المجتمع الإسلامي، فليس من خلاف بين طبيعة المسؤولية المنوطة برسول الله ﷺ والمنوطة بالعلماء والحكام في الاتساع والشمول. إلا أن الرسول يبلغ- كما قلنا- شرعا جديدا يوحى إليه من الله ﷿، أما هؤلاء فيمشون على قدمه ويهتدون بهديه ويلتزمون سنته وسيرته فيما يفعلون ويبلغون. وإذن فقد كان ﷺ يتحمل المسؤولية تجاه نفسه، بوصف كونه مكلفا. وكان يتحمل المسؤولية تجاه أسرته وأهله، بوصف كونه رب أسرة وذا آصرة قربى، ثم كان يتحمل المسؤولية تجاه الناس كلهم، بوصف كونه نبيا ورسولا مرسلا من الله ﷿. ويشترك مع النبي ﷺ في الأولى، كل مكلف، وفي الثانية كل صاحب أسرة، وفي الثالثة العلماء والحكام. ثالثا- عاب رسول الله ﷺ على قومه أن يأسروا أنفسهم للتقاليد الموروثة عن أبائهم

1 / 74