180

الفقه على المذاهب الأربعة

الفقه على المذاهب الأربعة

Издатель

دار الكتب العلمية

Номер издания

الثانية

Год публикации

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Место издания

بيروت - لبنان

Жанры

وبعد، فلعلك قد عرفت أن أدلة القبلة عند الأئمة لا تخرج عن أمور: منها المحاريب الموجودة في المساجد على التفصيل الذي بيناه؛ ومنها خبر العدل عند عد موجود المحاريب؛ ومنها التحري والاجتهاد عند عدم وجود العدل، وقد عرفت أن بعضهم يقول: إن التحري والاجتهاد مقدم على خبر العدل، إلى آخر ما بيناه مفصلًا في كل مذهب. وبقي ههنا أمور: أحدها: ما حكم من تحري، فلم يرجح جهة على أخرى؟: ثانيها: ما حكم من تحرى، وأراد تحريه إلى جهة، ثم تبين له أنه أخطأ يقينًا أو ظنًا، وهو في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟ ثالثها: ما حكم من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، ثم صلى بدونه؟؛ رابعها: ما حكم من يقدر على الاجتهاد، وقلد مجتهدًا آخر؟، أما الجواب عن الأول فهو أن الذي يجتهد، ولم يستطع أن يرجح جهة على أخرى، فقد قام بما في طاقته، وعلى هذا فإن صلاته تصح بالتوجه إلى أي جهة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (١)، وأما الجواب عن الثاني، فهو أنه إذا صلى شخص إلى جهة أداه إليها اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ أثناء الصلاة، بأن تيقن أو ظن أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إلى الجهة التي تيقن أو ظن أنها القبلة، وهو في صلاته يبني على ما صلاه قبل، فإذا صلى ركعة من الظهر مثلًا إلى جهة اعتقد أنها القبلة بعد التحري، ثم ظهر له بعد أداء هذه الركعة أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إليها، ويبني على الركعة التي

بذلك في معرفتها، فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة صلى إليها؛ وصحت صلاته، وإذا ترك الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة، وصلى إلى غيرها. فإن صلاته لا تصح، حتى ولو تبين له أنه أصاب القبلة، ولا يخفى أن هذا من المعاني السامية، فإن الاجتهاد له قيمته في نظر المسلمين في كل شأن من الشؤون، فإذا لم يستطع الاجتهاد، كأن كان به رمد، أو لم يستطع أن يعرف جهة القبلة. فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها، ولا إعادة عليه. فتحصل من هذا أن من جهل القبلة فيجب عليه أولًا أن يتبع المحاريب إن كانت موجودة، فإن لم يجدها، فإنه يجب عليه أن يسأل أحدًا عارفًا بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله، فإنه يجب عليه أن يجتهد إن قدر على الاجتهاد، أو يقلد مجتهدًا إن لم يقدر؛ فإن لم يجد فإنه يتحري بقدر إمكانه ويصلي، فإذا خالف مرتبة من هذه المراتب، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، وحتى لو أصاب القبلة، لأنه ترك ما هو مفترض عليه في هذه الحالة (١) الشافعية قالوا: إذا اجتهد في معرفة القبلة، فلم يرجح جهة على أخرى، فإنه في هذه الحالة يصلي إلى أي جهة شاء: كما يقول الأئمة الثلاثة، الا أن تجب عليه إعادة تلك الصلاة خلافًا لهم

1 / 182