بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
روى الإِمَام أَبُو بكر بن مُحَمَّد الكاساني عَن أبي بكر عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن احْمَد السَّمرقَنْدِي قَالَ أخبرنَا أَبُو الْمعِين مَيْمُون بن مُحَمَّد بن مَكْحُول النَّسَفِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن على الكاشغري الملقب بِالْفَضْلِ قَالَ أخبرنَا ابو مَالك نصران بن نصر الْخُتلِي عَن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد الغزال عَن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْفَارِسِي حَدثنَا نصير بن يحيى الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أَبَا مُطِيع الحكم بن عبد الله الْبَلْخِي يَقُول
من أصُول أهل السّنة وَالْجَمَاعَة
سَأَلت أَبَا حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم الْفِقْه الْأَكْبَر فَقَالَ الا تكفر احدا من اهل الْقبْلَة بذنب وَلَا تَنْفِي احدا من الْإِيمَان
1 / 76
وَأَن تَأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر وَتعلم ان مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وان مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَلَا تتبرأ من أحد من أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ
1 / 78
وَلَا توالي أحدا دون اُحْدُ وان ترد امْر عُثْمَان وَعلي إِلَى الله تَعَالَى
1 / 80
أفضل الْفِقْه وتعريف الْإِيمَان وأركانه
وَقَالَ ابو حنيفَة ﵁ الْفِقْه فِي الدّين لأَفْضَل من الْفِقْه فِي الْأَحْكَام وَلِأَن يتفقه الرجل كَيفَ يعبد ربه خير لَهُ من ان يجمع الْعلم الْكثير قَالَ أَبُو مُطِيع قلت فَأَخْبرنِي عَن أفضل الْفِقْه قَالَ ابو حنيفَة ان يتَعَلَّم الرجل الايمان بِاللَّه تَعَالَى والشرائع وَالسّنَن وَالْحُدُود وَاخْتِلَاف الْأمة واتفاقها
قَالَ قلت فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان فَقَالَ حَدثنِي ابْن مرْثَد عَن يحيى بن يعمر قَالَ قلت لِابْنِ عمر ﵄ أَخْبرنِي عَن الدّين مَا هُوَ قَالَ عَلَيْك بِالْإِيمَان فتعلمه
قلت فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان مَا هُوَ فَأخذ بيَدي فَانْطَلق الى شيخ فأقعدني الى جنبه فَقَالَ إِن هَذَا يسْأَل عَن الْإِيمَان كَيفَ هُوَ
1 / 82
فَقَالَ وَالشَّيْخ كَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله ﷺ فَقَالَ ابْن عمر كنت الى جنب رَسُول الله ﷺ وَهَذَا الشَّيْخ معي إِذْ دخل علينا رجل حسن اللمة متعمما نحسبه من رجال الْبَادِيَة فتخطى رِقَاب النَّاس فَوقف بَين يَدي رَسُول الله ﷺ فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِيمَان قَالَ شَهَادَة ان لَا اله الا الله
1 / 84
وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتؤمن بملائكته
1 / 86
وَكتبه وَرُسُله
1 / 87
وَالْيَوْم الآخر وَالْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى
1 / 89
فَقَالَ صدقت فتعجبنا من تَصْدِيقه رَسُول الله ﷺ مَعَ جهل اهل الْبَادِيَة فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا شرائع الْإِسْلَام فَقَالَ إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت لمن اسْتَطَاعَ اليه سَبِيلا والاغتسال من الْجَنَابَة
فَقَالَ صدقت فتعجبنا لقَوْله بتصديقه رَسُول الله ﷺ كَأَنَّمَا يُعلمهُ
فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا الْإِحْسَان
1 / 91
قَالَ ان تعْمل لله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك
قَالَ صدقت
فَقَالَ يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة فَقَالَ المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ثمَّ مضى فَلَمَّا توَسط النَّاس لم نره فَقَالَ النَّبِي ﷺ إِن هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم ليعلمكم معالم دينكُمْ
1 / 92
حكم من كذب بالخلق اَوْ انكر مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ
قَالَ أَبُو مُطِيع قلت لأبي حنيفَة ﵀ فَإِذا استيقن بِهَذَا وَأقر بِهِ فَهُوَ مُؤمن قَالَ نعم
إِذا أقرّ بِهَذَا فقد أقرّ بجملة الْإِسْلَام وَهُوَ مُؤمن
فَقلت إِذا أنكر بِشَيْء من خلقه فَقَالَ لَا ادري من خَالق هَذَا
قَالَ فَإِنَّهُ كفر لقَوْله تَعَالَى ﴿خَالق كل شَيْء﴾ فَكَانهُ قَالَ لَهُ خَالق غير الله وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا اعْلَم ان الله فرض عَليّ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة فَإِنَّهُ قد كفر
لقَوْله تَعَالَى ﴿وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة﴾ وَلقَوْله تَعَالَى ﴿كتب عَلَيْكُم الصّيام﴾ وَلقَوْله تَعَالَى ﴿فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ﴾ فَإِن قَالَ أُؤْمِن بِهَذِهِ الْآيَة
1 / 94
وَلَا أعلم تَأْوِيلهَا وَلَا اعْلَم تَفْسِيرهَا فَإِنَّهُ لَا يكفر لِأَنَّهُ مُؤمن بالتنزيل ومخطىء فِي التَّفْسِير الخطا فِي التاويل لَا يكفر بِهِ الْمَرْء وَالْجَاهِل فِي أَرض الشّرك لَا يكفر قلت لَهُ لَو أقرّ بجملة الاسلام فِي أَرض الشّرك وَلَا يعلم شَيْئا من الْفَرَائِض والشرائع وَلَا يقر بِالْكتاب وَلَا بِشَيْء من شرائع الْإِسْلَام الا انه مقرّ بِاللَّه تَعَالَى وبالإيمان وَلَا يقر بِشَيْء من شرائع الْإِيمَان فَمَاتَ أهوَ مُؤمن
قَالَ نعم قلت وَلَو لم يعلم شَيْئا وَلم يعْمل بِهِ الا أَنه مقرّ بِالْإِيمَان فَمَاتَ
قَالَ هُوَ مُؤمن
تَعْرِيف أبي حنيفَة للْإيمَان وتفويض الْأَعْمَال إِلَى الله تَعَالَى وكل ميسر لما خلق لَهُ قلت لأبي حنيفَة أَخْبرنِي عَن الْإِيمَان
قَالَ أَن تشهد ان لَا إِلَه الا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَتشهد بملائكته وَكتبه وَرُسُله وجنته وناره وقيامته وخيره وشره
1 / 96
وَتشهد انه لم يُفَوض الْأَعْمَال الى اُحْدُ وَالنَّاس صائرون الى مَا خلقُوا لَهُ والى مَا جرت بِهِ الْمَقَادِير فَقلت لَهُ رَأَيْت إِن أقرّ هَذَا كُله لكنه قَالَ الْمَشِيئَة إِلَيّ إِن شِئْت آمَنت وَإِن شِئْت لم اؤمن لقَوْله تَعَالَى ﴿فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر﴾
فَقَالَ ذَلِك فِي زَعمه أَلا ترى الى قَوْله تَعَالَى ﴿كلا إِنَّه تذكرة فَمن شَاءَ ذكره وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾
1 / 98
وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر﴾ هَذَا وَعِيد وَلِهَذَا لم يكفر لِأَنَّهُ لم يرد الْآيَة وَإِنَّمَا اخطأ فِي تَأْوِيلهَا وَلم يرد بِهِ تنزيلها
قلت لَهُ إِن قَالَ إِن إصابتي مُصِيبَة فَسُئِلت أَهِي مِمَّا ابتلاني الله بهَا اَوْ هِيَ مِمَّا اكْتسبت أجَاب قَائِلا لَيست هِيَ مِمَّا ابتلاني الله بهَا
أيكفر قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ ﴿مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك﴾
أَي بذنبك وانا قدرته عَلَيْهِ وَقَالَ ﴿وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم﴾ أَي بذنوبكم
وَقَالَ تَعَالَى ﴿يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء﴾
قَالَ الا انه اخطأ فِي التَّأْوِيل وَمعنى قَوْله (يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه) أَي بَين الْمُؤمن وَالْكفْر وَبَين الْكَافِر وَالْإِيمَان
1 / 100
كَلَامه عَن الِاسْتِطَاعَة
قَالَ أَبُو حنيفَة ﵀ إِن الِاسْتِطَاعَة الَّتِي يعْمل بهَا العَبْد الْمعْصِيَة هِيَ بِعَينهَا تصلح لَان يعْمل بهَا الطَّاعَة وَهُوَ معاقب فِي صرف الِاسْتِطَاعَة الَّتِي احدثها الله تعالي فِيهِ وَأمره ان يستعملها فِي الطَّاعَة دون الْمعْصِيَة قلت فَإِن قَالَ الله تَعَالَى لم يجْبر عباده على ذَنْب ثمَّ يعذبهم عَلَيْهِ فَمَا نقُول لَهُ
1 / 102
الرَّد على من زعم ان الله لم يخلق الشَّرّ
قَالَ لَهُ هَل يُطيق العَبْد لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا فَإِن قَالَ لَا لأَنهم مَجْبُورُونَ فِي الضّر والنفع مَا خلا الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة فَقيل لَهُ هَل خلق الله الشَّرّ فَإِن قَالَ نعم خرج من قَوْله وَإِن قَالَ لَا كفر لقَوْله تَعَالَى ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق﴾ أخبر ان الله تَعَالَى خلق الشَّرّ
قلت فَإِن قَالَ ألستم تَقولُونَ إِن الله شَاءَ الْكفْر وَشاء الْإِيمَان
فَإِن قُلْنَا نعم يَقُول أَلَيْسَ الله تَعَالَى يَقُول ﴿هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة﴾ نقُول نعم
1 / 103
فَيَقُول أهوَ أهل الْكفْر فَمَا نقُول لَهُ قَالَ نقُول هُوَ أهل لمن يَشَاء الطَّاعَة وَلَيْسَ بِأَهْل لمن يَشَاء الْمعْصِيَة
فَإِن قَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَشَأْ أَن يُقَال عَلَيْهِ الْكَذِب فَقل لَهُ الْفِرْيَة على الله من الْكَلَام والمنطق ام لَا فَإِن قَالَ نعم
فَقل من علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا فَإِن قَالَ الله
فَقل الْكفْر من الْكَلَام ام لَا فَإِن قَالَ نعم
فَقل من انطق الْكَافِر فَإِن قَالَ الله
خصموا انفسهم لِأَن الشّرك من النُّطْق وَلَو شَاءَ الله لما انطقهم بِهِ
قلت فَإِن قَالَ إِن الرجل
1 / 105
إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل
وَإِن شَاءَ أكل وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل وَإِن شَاءَ شرب وَإِن شَاءَ لم يشرب
قَالَ فَقل لَهُ هَل حكم الله على بني إِسْرَائِيل ان يعبروا الْبَحْر وَقدر على فِرْعَوْن الْغَرق فَإِن قَالَ نعم قل لَهُ فَهَل يَقع من فِرْعَوْن ان لَا يسير فِي طلب مُوسَى وَألا يغرق هُوَ وَأَصْحَابه فَإِن قَالَ نعم فقد كفر وَإِن قَالَ لَا نقض قَوْله السَّابِق
1 / 106
بَاب فِي الْقدر
قَالَ حَدثنَا عَليّ بن احْمَد عَن نصير بن يحيى قَالَ سَمِعت أَبَا مُطِيع يَقُول قَالَ ابو حنيفَة ﵁ حَدثنَا حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن مَسْعُود ﵃ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (إِن خلق احدكم يجمع فِي بطن امهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة مثل ذَلِك ثمَّ مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله اليه ملكا يكْتب عَلَيْهِ رزقه واجله وشقي ام سعيد وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره إِن الرجل ليعْمَل عمل اهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا الا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيَمُوت فيدخلها وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل اهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا الا ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل اهل النَّار فَيَمُوت فيدخلها)
1 / 107
بَاب فِي الْبَغي وَالْخُرُوج على الإِمَام
قلت فَمَا تَقول فِيمَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فيتبعه على ذَلِك نَاس فَيخرج على الْجَمَاعَة هَل ترى ذَلِك
قَالَ لَا قلت وَلم وَقد امْر الله تَعَالَى وَرَسُوله بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهَذَا فَرِيضَة وَاجِبَة
فَقَالَ هُوَ كَذَلِك لَكِن مَا يفسدون من ذَلِك أَكثر مِمَّا يصلحون من سفك الدِّمَاء وَاسْتِحْلَال الْمَحَارِم وانتهاب الْأَمْوَال وَقد قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله﴾
قلت فنقاتل الفئة الباغية بِالسَّيْفِ قَالَ نعم تَأمر وتنهي فَإِن قبل والا قَاتلته فَتكون مَعَ الفئة العادلة وَإِن كَانَ الإِمَام جائرا لقَوْل النَّبِي ﵊ (لَا يضركم جور من جَار وَلَا عدل من عدل لكم أجركُم وَعَلِيهِ وزره) قلت لَهُ
1 / 108