Современная арабская мысль: влияние Французской революции на её политическое и социальное направление
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Жанры
وهكذا نستطيع أن نقول إن رافع الطهطاوي مع رجال البعوث الذين أنفذهم محمد علي باشا الكبير إلى فرنسا، كانوا من أعظم المجاري التي تسربت خلالها إلى الشرق العربي آثار من مبادئ الثورة الفرنسية وكبار مفكريها.
ولكن هناك مجرى آخر، إذا شئنا أن نرجع إلى أصله في التاريخ وجب علينا أيضا الرجوع إلى الحملة النابليونية؛ فإن هذه الدفعة العسكرية القوية تجاوزت مصر وبلغت أسوار عكا حيث حاصرت أحمد باشا الجزار في قاعدته، وطارت أخبارها إلى لبنان زمن الأمير بشير الشهابي.
بين أيدينا هذا الكتاب الغني الذي تركه المطران يوسف الدبس عن تاريخ سوريا، فلنكتف منه بالنسخة الموجزة، ولنراع وقائع التاريخ اللبناني خلال الأيام التي كانت تهب فيها رياح الثورة الفرنسية على الدنيا.
16
سنرى أن هذا الوطن البديع النشيط، القائم على ساحل الأبيض المتوسط، كان هو أيضا في غليان دائم. والقصة واحدة : أمير حاكم على لبنان، يحتاج إلى المال، أو يطلب منه أسياده الذين ولوه الإمارة مبلغا من المبالغ، أو هو يتبرع بتقديم المبلغ ليزاحم أميرا آخر رشح نفسه لحكم لبنان، ويأتي موعد الدفع، فيضرب الضريبة على السكان وعلى مواسمهم، ويبث جباته، فيمتنع الناس، وتندلع نيران الثورة، إلى أن يسقط الأمير، أو يغلب الأهالي على أمرهم فيؤدوا المال، إلا أن روحهم تبقى على حدتها وتوفزها غير مثلومة ولا منكسرة.
وإذن، فقد كان في اللبنانيين استعداد عقلي وقابلية روحية لما لفحهم أول أنباء الثورة في البلاد المقابلة لبلادهم عبر البحر الذي يطلون على أمواجه. أما كيف وصلتهم هذه الأنباء، فقد سبق أن الحملة النابليونية على مصر هي التي حملت إليهم تباشيرها.
كانت تنمو في لبنان إذ ذاك بواكير الزهرات الأدبية التي بشرت بمطلع النهضة الحديثة وموسمها المقبل. ونخص بالذكر من تلك البواكير الكاتب الشاعر نقولا الترك.
ونستطيع أن نتصور الناس في لبنان وقد بلغتهم أنباء الحملة الفرنسية على مصر وامتدادها إلى أسوار عكا؛ فإن أميرهم، الأمير بشير، كان مواليا للجزار، فما يكون موقفه الآن والجزار محصور في قاعدته؟ وهذا القائد الفرنسي بونابرت يشد عليه الخناق، ومحتمل كل الاحتمال أن يفتح عكا ويتقدم بجيوشه إلى لبنان. ولكن من بونابرت هذا؟
ولا شك أن حديث الناس عن الفاتح الجديد، الذي حط رحاله في وادي النيل ومشى يريد إكمال الفتح، صرف الناس إلى الحديث عن فرنسا وما طرأ عليها قبل أن يبرز بونابرت.
وهكذا وقعت الأنظار على الثورة الفرنسية الكبرى والانقلاب العميق الذي أحدثته في فرنسا. ولسنا نعرف بالضبط كيف اطلع اللبنانيون على حوادث الثورة؛ فربما حملها إليهم التجار الذي كانت لهم صلات قديمة بين هذا الشاطئ من المتوسط والشاطئ المقابل، وربما جاءتهم أخبارها على ألسنة مسافرين كانوا في مصر وعرفوا جنود نابليون وخاطبوهم.
Неизвестная страница