Современная арабская мысль: влияние Французской революции на её политическое и социальное направление
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Жанры
العلم قبسة من نور الله، وقد خلق الله النور كشافا مبصرا ولادا للحرارة والقوة، وجعل العلم مثله وضاحا للخير فضاحا للشر يولد في النفوس حرارة وفي الرءوس شهامة.
المستبد لا يخشى علوم اللغة المقومة للسان إذا لم يكن وراء اللسان حكمة حماسة تعقد الألوية أو سحر بيان يحل الجيوش؛ لأنه يعرف أن الزمان ضنين بأن تلد الأمهات كثيرا من أمثال الكميت وحسان أو مونتسكيو وشيلار.
وكذلك لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد؛ لاعتقاده أنها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم، فإذا نبغ فيهم البعض ونالوا شهرة بين العوام لا يعدم وسيلة لاستخدامهم في تأييد أمره بنحو سد أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد.
ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق الأمم وسياسة المدنية والتاريخ المفضل والخطابة الأدبية وغيرها من العلوم الممزقة للغيوم المنبثقة الشموس المحرقة الرءوس.
ويقال بالإجمال: إن المستبد لا يخاف من العلوم كلها، بل من التي توسع العقول وتعرف الإنسان ما هو الإنسان وما هي حقوقه وهل هو مغبون، وكيف الطلب وكيف النوال وكيف الحفظ. المستبد عاشق للخيانة، والعلماء عواذله. المستبد سارق ومخادع، والعلماء منبهون محذرون. وللمستبد أعمال وصوالح لا يفسدها عليه إلا العلماء.
المستبد كما يبغض العلم لنتائجه يبغضه لذاته؛ لأن للعلم سلطانا أقوى من كل سلطان، فلا بد للمستبد من أن يحتقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما؛ ولذلك لا يحب المستبد أن يرى وجه عالم ذكي، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار المتصاغر المتملق. وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قوله: «فاز المتملقون»، بل هذه طبيعة في كل المتكبرين وعليها مبنى ثنائهم على كل من يكون مسكينا خاملا لا يرجى لخير ولا لشر.
وينتج مما تقدم أن بين الاستبداد والعلم حربا دائمة وطرادا مستمرا؛ يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره. والطرفان يتجاذبان العوام. ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا وإذا خافوا استسلموا، وهم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا.
العوام هم قوت المستبد وقوته، بهم عليهم يصول وبهم على غيرهم يطول ، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء الحياة، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف بأموالهم يقولون عنه إنه كريم، وإذا قتل ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التأديب، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة.
والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل، فإذا ارتفع الجهل زال الخوف وانقلب الوضع؛ أي انقلب المستبد رغم طبعه إلى وكيل أمين يهاب الحساب، ورئيس عادل يخشى الانتقام، وأب حليم يتلذذ بالتحابب.
وحينئذ تنال الأمة حياة رضية هنية؛ حياة رخاء ونماء؛ حياة عز وسعادة. ويكون حظ الرئيس من ذلك رأس الحظوظ بعد أن كان في دور الاستبداد أشقى العباد لأنه كان على الدوام محاطا بالأعداد ملحوظا بالبغضاء غير أمين على حياته طرفة عين.
Неизвестная страница