فأمسك ساعدها، وقال: اصمتي واخفضي صوتك لئلا يسمعنا سامع، فالعشرون مليونا ها هنا إنما هي مدفونة، ولا بد من الحفر لاستخراجها، قالت: لم أفهم مرادك!
فبدأ يشرح لها الخبر ومؤداه أنه وردت مراسلة خطيرة إلى رئيس مكتب السجلات البلدية في نابولي، أي إلى بيبو، وأجاب عليها بما عن له أن يجيب، وذلك أن رجلا من باريس كان وكيل أشغال معينا رئيس محكمة السين في باريس ومديرا قضائيا، وكان قد كتب إلى بلدية نابولي يخبرها بأنه عهد إليه بتصفية شركة رجل توفي عن مال كثير، واسم هذا الرجل «جياكومو بلميري»، وقد ترك وصية يذكر فيها أصله ونسبه، ويقول: إنه ينتمي إلى قوم فقراء من نابولي لم يبق منهم إلا هو وشقيق له أصغر منه سنا اسمه أنطونيو بلميري، وكابد الأخوان نكد الأيام دهرا ثم عزما على المهاجرة لعلهما يصيبان ثروة، وكانا قد تعاهدا على السفر معا غير أن الأحوال قضت بافتراقهما، فسافر جياكومو إلى أوروبا وارتحل أنطونيو إلى آسيا، فأقام الأول في باريس ومكث الثاني في كلكتا، وتراسلا بضعة أعوام تراسلا غير منقطع، ثم بدأ التواني في المراسلة وأدى أخيرا إلى الانقطاع التام.
ويقول جياكومو في وصيته إن آخر نبأ تلقاه من أخيه أنه تزوج امرأة إيطالية اسمها نينا ألسندرى، ورزق منها غلاما دعاه أنيبال، وابنة دعاها كلوديا. ثم كتب جياكومو إلى أخيه مرتين وثلاثا فلما لم يرد عليه جواب، وأخيرا مل المكاتبة وتوقف عنها، ثم شغلته الشواغل فخدم مصرفا فأظهر نشاطا في الخدمة وكفاءة وأمانة في العمل فاكتسب ثقة رؤسائه، ثم صار شريكا لهم إلى أن ابتاع منهم حصصهم واستأثر بالمصرف وحده، وفي أقل من خمسة عشر عاما أصاب ثروة جسيمة، إلا أن دأبه في العمل أثر في جسمه، فاعتل واشتدت عليه العلة، فذكر حبه لأخيه وأنه رزق ولدين، غلاما وابنة، فكتب وصيته وبها يأمر بالتفتيش عن أخيه أنطونيو بلميري الذي سافر إلى الهند الإنكليزية في وقت كذا، ثم أقام في كلكتا، فأوصى بثروته من بعده لأخيه إذا كان حيا أو لأرملته وولديها إذا كان ميتا، أما إذا لم يوجد منهم أحد في قيد الحياة فثروته تنفق على الأعمال الخيرية.
ولما طالع وكيل الأشغال تلك الوصية رأى أن يفتش أولا في مدينة نابولي؛ لأنها الوطن الأصلي لأنطونيو بالميري.
ووصلت هذه المراسلة إلى بيبو فكتب إلى وكيل الأشغال ينبئه بوصولها، ثم عمد إلى الاستعلام رأسا فكتب إلى قنصل إيطاليا في كلكتا طالبا إليه أن يبعث إليه بالإيضاحات والأوراق التي تتعلق بهذه الشركة. ثم لم يعد يفكر في هذه المسألة. فلما وصل بيبو إلى هذا الموضع من خبره صاحت به أخته تقول له: وأين العشرون مليونا؟! فقال لها: صبرا حتى أستوفي كلامي. قالت: فامض فيه عاجلا.
وقال: في هذا اليوم تلقيت جوابا من قنصل إيطاليا في كلكتا وفيه هذه الأوراق التي ترينها أمامك، وهنا يجب أن تعلمي أن قنصل إيطاليا في كلكتا رجل إنكليزي، وهذا أمر يحدث كثيرا في البلاد النائية، إلا أن الأوراق مكتوبة باللغة الإيطالية وعليها توقيع ذلك القنصل، وفي رسالته أن أنطونيو بلميري وزوجته نينا ألسندرى أقاما في كلكتا معا بعد أن تزوجا على يد القنصل، ثم رزقا ولدين هما أنيبال وكلوديا إلا أنهما توفيا إلى رحمة الله. قالت جرجونة: من الذي توفي؟ أجاب بيبو: كل العيلة، أي: الوالدان والولدان بالوباء الذي تفشى في الهند منذ خمسة عشر عاما.
قالت: هذا فظيع. قال: بل هذا بديع؛ انظري هذا الغلاف الكبير المعنون باسم: «حضرة رئيس قلم السجلات في بلدية نابولي» فهو يحوي أوراقا، وهي:
أولا:
عقد اقتران أنطونيو بلميري بنينا ألسندرى.
ثانيا:
Неизвестная страница