باستخدام الفأس، شق قطعة سميكة لامعة من أرومة شجرة صنوبر، وقسمها ليصنع منها أوتادا للخيمة. كان يريد أوتادا طويلة ومتينة كي تستقر في الأرض. وبعد أن أخرجت الخيمة وفرشت على الأرض، بدت الحقيبة، وهي تميل على إحدى أشجار الصنوبر، أصغر كثيرا. ربط نك الحبل الذي كان بمثابة الدعامة الأفقية للخيمة بجذع إحدى أشجار الصنوبر ورفع الخيمة من فوق الأرض من الطرف الآخر للحبل وربطه بشجرة الصنوبر الأخرى. تدلت الخيمة على الحبل كأنها غطاء من القنب يتدلى على حبل الغسيل. أدخل نك عمودا كان قطعه من قبل تحت القمة الخلفية للخيمة وربط الجوانب بالأوتاد. شد الجوانب إلى الخارج بإحكام وغرس الأوتاد في الأرض بعمق، ودق عليها بالجانب المسطح من الفأس حتى اختفت ربطات الحبل في الأرض، وانسدل قماش الخيمة مشدودا بإحكام.
على مدخل الخيمة المفتوح ثبت نك قطعة من الشاش الرقيق لكي تحول دون دخول البعوض. زحف نك إلى الداخل من تحت حاجز البعوض حاملا العديد من الأغراض من الحقيبة كي يضعها على رأس السرير تحت الجزء المائل من الخيمة. وصل النور إلى داخل الخيمة عبر القنب البني الذي كانت تفوح منه رائحة طيبة. كانت الأجواء تجمع بين الغموض وألفة البيت. شعر نك بالسعادة حين زحف إلى داخل الخيمة. لم يشعر بالتعاسة طوال اليوم. غير أن شعوره الآن كان مختلفا. الآن، قد فرغ مما كان عليه فعله. كان عليه أن يفعل هذا. والآن قد فعله. كانت رحلة شاقة. وكان متعبا للغاية. والآن قد انتهى ذلك. كان قد صنع مخيمه. ولقد استقر فيه. لا يمكن لشيء أن يمسه الآن. كانت خيمته في مكان جيد. وكان هناك في هذا المكان الجيد. كان في بيته في المكان الذي صنعه فيه. والآن كان يشعر بالجوع.
خرج زاحفا من تحت حاجز الشاش. كان المكان مظلما إلى حد كبير في الخارج، وقد كان داخل الخيمة أكثر إضاءة.
ذهب نك إلى حيث حقيبته وتحسس بأصابعه داخلها حتى وجد في قعرها مسمارا طويلا في كيس ورقي للمسامير. وضعه في شجرة الصنوبر وأمسكه جيدا وأخذ يدق عليه بلطف بالجزء المسطح من فأسه. علق الحقيبة على المسمار. كانت أشياؤه كلها فيها. والآن قد أصبحت بعيدة عن الأرض في مكان محمي.
كان نك يشعر بالجوع. كان يعتقد أنه لم يشعر بمثل هذا الجوع من قبل. فتح علبة من لحم الخنزير والفاصوليا وعلبة من مكرونة الإسباجيتي وأفرغهما في مقلاة. تحدث نك قائلا: «يحق لي أن آكل مثل هذا الطعام، ما دمت قد حملته معي.» بدا صوته غريبا في الأحراج التي بدأ يحل عليها الظلام. ولم يتحدث مجددا.
أشعل نارا ببعض قطع الأخشاب التي قطعها بفأسه من أرومة. وضع على النار شواية من السلك، وثبت أرجلها الأربعة في الأرض بحذائه. وضع نك المقلاة على الشواية في اللهب. كان جوعه قد اشتد أكثر. غدت المكرونة والفاصوليا دافئة، فقلبهما نك ومزجهما معا. بدأ الطعام في البقبقة وتكونت فيه فقاقيع صغيرة كانت تصعد إلى السطح بصعوبة. فاحت منه رائحة طيبة. أخرج نك زجاجة من صلصة الطماطم وقطع أربع شرائح من الخبز. كانت الفقاقيع تصعد الآن بسرعة أكبر. جلس نك بجوار النار ورفع المقلاة عنها. صب نصف الطعام تقريبا في طبق من الصفيح. راح ينتشر ببطء على الطبق. كان نك يعرف أنه ساخن للغاية. صب بعضا من صلصة الطماطم. كان يعرف أن مزيج الفاصوليا والمكرونة لا يزال ساخنا للغاية. نظر إلى النار، ثم إلى الخيمة، ولم يكن ينتوي أن يفسد الأمر بحرق لسانه. إنه لم يستمتع بحلوى الموز المقلي لسنوات لأنه لم يكن يستطيع الانتظار حتى تبرد. كان لسانه حساسا للغاية. وكان يتضور جوعا. على الجانب المقابل من النهر في المستنقع، في الظلام شبه الدامس، رأى الضباب يتصاعد. ألقى نظرة أخرى على الخيمة. كل شيء على ما يرام. أخذ ملء ملعقة من الطبق.
قال نك: «يا يسوع!» ثم أضاف بسعادة: «يا يسوع المسيح!»
أكل ما في الطبق كله قبل أن يتذكر الخبز. أنهى نك الطبق الثاني بالخبز وقد مسحه به إلى أن صار لامعا. لم يكن قد أكل منذ أن تناول كوبا من القهوة وشطيرة من شرائح لحم الخنزير في مطعم محطة قطار سانت إيجناس. لقد كانت تجربة جيدة للغاية. شعر بمثل ذلك الجوع من قبل، لكنه لم يتمكن من إشباع جوعه حينها. كان بمقدوره قبل ساعات أن ينصب خيمته إذا أراد؛ فقد كان هناك الكثير من الأماكن الجيدة للتخييم على النهر. غير أن هذا المكان جيد.
وضع نك قطعتين رقيقتين كبيرتين من خشب الصنوبر تحت الشواية. وتوهجت النار. كان قد نسي أن يحضر ماء للقهوة. أخرج من حقيبته دلوا قابلا للطي مصنوعا من القنب، وسار هابطا من التل، عبر حافة المرج، متجها إلى النهر. كانت الضفة الأخرى مغطاة بالضباب الأبيض. شعر بالعشب رطبا وباردا حين انحنى بركبتيه على الضفة وأنزل الدلو المصنوع من القنب في النهر. انتفخ الدلو وانجذب بقوة التيار. كانت المياه باردة كالثلج. أخرج نك الدلو من المياه وحمله ممتلئا إلى المخيم. لم يكن الجو باردا للغاية هكذا بعيدا عن النهر.
ثبت نك مسمارا آخر كبيرا وعلق فيه الدلو الممتلئ بالمياه. غمس فيه إناء القهوة وملأه حتى المنتصف، ووضع المزيد من رقائق الصنوبر على النار تحت الشواية ووضع الإناء عليها. لم يستطع أن يتذكر كيف كان يصنع القهوة. كان يتذكر جدالا بشأنها مع هوبكينز، لكنه لم يتذكر الطريقة التي كان يؤيدها. قرر أن يغليها. تذكر الآن أن تلك كانت طريقة هوبكينز. كان يتناقش في كل شيء مع هوبكينز. وبينما كان ينتظر غليان القهوة، فتح علبة صغيرة من المشمش. كان يحب فتح العلب. أفرغ علبة المشمش في كوب من الصفيح. وبينما كان يراقب القهوة على النار، شرب العصير الموجود مع المشمش. كان يشرب بحرص في البداية لكي يتجنب سكبه، ثم راح يمتص قطع المشمش نفسها ويبتلعها ببطء. لقد كانت أفضل من المشمش الطازج.
Неизвестная страница