ألقى الجندب إلى الهواء وشاهده وهو يطير بعيدا إلى أرومة متفحمة على الجانب الآخر من الطريق.
وقف نك. أسند ظهره إلى حقيبته التي استقرت في وضع عمودي على الأرومة وأدخل ذراعيه عبر أحزمة الكتفين. وقف وحقيبته على ظهره أعلى التل وراح يتطلع إلى الريف باتجاه النهر البعيد، ثم هبط على جانب التل بعيدا عن الطريق. تحت السفح، كان الطريق مناسبا للسير. على بعد مائتي ياردة من سفح التل، توقف خط الحريق. وامتد بعده السرخس الحلو في ارتفاع الكاهل، وكان السير خلاله سهلا، كما امتدت كتل من أشجار صنوبر جاك؛ ريف طويل متموج به العديد من المرتفعات والمنخفضات، والأرضية الرملية الممتدة، وقد عاد الريف حيا من جديد.
حافظ نك على اتجاه سيره مع اتجاه الشمس. كان يعرف الموقع الذي يريد أن يصل فيه إلى النهر وواصل السير عبر سهل الصنوبر، صاعدا مرتفعات صغيرة ليرى مرتفعات أخرى لا تزال أمامه، وأحيانا كانت تبدو من فوق أحد المرتفعات جزيرة كبيرة مصمتة من أشجار الصنوبر إلى يمينه أو يساره. كسر بعض أعواد السرخس الحلو المرقط ووضعها تحت أحزمة حقيبته. سحقها الاحتكاك واشتم رائحتها وهو يسير.
كان مرهقا ومحترا للغاية من السير على سهل الصنوبر غير المستوي المنعدم الظلال. كان يعرف أنه يستطيع أن يصل إلى النهر في أي لحظة بالانعطاف إلى يساره. لم تكن المسافة لتزيد عن ميل. غير أنه قد واصل السير باتجاه الشمال ليصل إلى أقرب نقطة من منبع النهر يستطيع أن يبلغها في مسيرة يوم واحد.
بعد مرور بعض الوقت وبينما كان نك يسير، رأى إحدى الجزر الصنوبرية الكبيرة التي تبرز فوق الأرض العالية المتموجة التي كان يعبرها. سار مع الأرض المنخفضة ثم صعد على مهل إلى قمة الجسر وانعطف نحو أشجار الصنوبر.
لم يكن هناك نباتات تحت شجرية في جزيرة أشجار الصنوبر. كانت جذوع الأشجار تمتد مستقيمة إلى الأعلى أو يميل بعضها على بعض. وكانت الجذوع مستقيمة وبنية دون أغصان. وكانت الأغصان في الأعلى. تشابك بعضها وشكلت ظلا مصمتا على أرض الغابة البنية. حول تلك الأيكة من الأشجار كانت هناك منطقة عارية. كانت بنية وشعر بها نك ناعمة تحت قدميه إذ مشى عليها. كانت الأرضية مغطاة بإبر الصنوبر المتشابكة، وتمتد على مسافة أعرض من الأغصان العالية. كانت الأشجار قد نمت وتحركت الأغصان إلى الأعلى تاركة خلفها للشمس تلك المساحة العارية التي كانت تغطيها من قبل بالظلال. وعلى حافة هذه القطعة الممتدة من أرضية الغابة بالضبط، بدأ امتداد السرخس الحلو.
تحرر نك من حقيبته واستلقى في الظل. استلقى على ظهره وتطلع إلى الأعلى إلى أشجار الصنوبر. استراحت رقبته وظهره والجزء السفلي من ظهره إذ تمدد. أراحه استناد ظهره على الأرض. تطلع ببصره إلى السماء من بين الأغصان، ثم أغمض عينيه. فتحهما ونظر إلى الأعلى مجددا. كانت الرياح تحرك الأغصان في الأعلى. أغمض عينيه مجددا وخلد إلى النوم.
استيقظ نك متصلبا ومتشنجا. كانت الشمس قد أوشكت على الغروب. كانت حقيبته ثقيلة، وآلمته الأحزمة حين حملها. مال إلى الأمام بالحقيبة والتقط حقيبة الصنارة الجلدية وانطلق من بين أشجار الصنوبر عبر منخفض السرخس الحلو باتجاه النهر. كان يعرف أن المسافة لا يمكن أن تزيد عن ميل.
هبط من تل مغطى بأروم الشجر إلى مرج. على حافة المرج تدفق النهر. كان نك سعيدا لوصوله إلى النهر. سار عبر المرج متجها إلى أعلى النهر. تشبع سرواله بالندى بينما كان يسير. بعد اليوم الحار، هبط الندى بسرعة وغزارة. لم يصدر عن النهر أي صوت. كان سريعا وناعما للغاية. على حافة المرج، قبل أن يرقى إلى قطعة مرتفعة من الأرض ليخيم عليها، نظر نك إلى أسماك السلمون المرقطة وهي تقفز. كانت تقفز لتحصل على الحشرات الآتية من المستنقع على الجانب الآخر من النهر عند غروب الشمس. قفزت أسماك السلمون المرقطة من المياه كي تنالها. بينما كان نك يسير على امتداد المرج الصغير بمحاذاة النهر، قفزت الأسماك عاليا خارج المياه. الآن بينما كان ينظر في النهر، لا بد أن الحشرات كانت مستقرة على سطح المياه؛ إذ كانت الأسماك تأكل بوتيرة مستمرة على امتداد النهر بأكمله. وعلى امتداد البصر من مكانه على المرج، كانت الأسماك ترتفع من المياه؛ فتتشكل دوائر على السطح كله، كما لو أن المطر يبدأ في الهطول.
ارتفعت الأرض وكانت حراجية ورملية، لتطل على المرج والنهر والمستنقع. أنزل نك حقيبته وحقيبة الصنارة وبحث عن قطعة مستوية من الأرض. كان يتضور جوعا وكان يريد أن ينصب خيمته قبل أن يطهو. وبين اثنتين من أشجار صنوبر جاك، كانت الأرض مستوية إلى حد كبير. أخرج الفأس من حقيبته وقطع جذرين ناتئين؛ فسوى ذلك قطعة كبيرة من الأرض تكفي لأن ينام عليها. سوى الأرض الرملية بيده واقتلع كل نباتات السرخس الحلو من جذورها. فاحت يداه برائحة طيبة من السرخس الحلو. سوى الأرض التي اقتلع منها الجذور. لم يكن يريد أي كتل تحت الأغطية. حين أصبحت الأرض مستوية، فرد أغطيته الثلاثة. طوى أحدها طيتين ووضعه على الأرض مباشرة، ثم فرد الاثنين الآخرين فوقه.
Неизвестная страница