خفق قلب نك حين تحركت سمكة السلمون. عاوده ذلك الشعور القديم كاملا.
التفت ونظر إلى مجرى النهر. كان يمتد بعيدا، يغطي قاعه الحصى وبه مناطق من المياه الضحلة وجلاميد صخرية كبيرة، وحوض عميق حيث كان ينعطف حول سفح جرف.
سار نك عائدا إلى عوارض الربط حيث كانت حقيبته ترقد بين الرماد بجوار قضبان السكة الحديدية. كان سعيدا. عدل وضع أحزمة الحقيبة حول حزمة الأمتعة، وأحكم شد الأربطة، وعلق الحقيبة على ظهره ثم مرر ذراعيه عبر حزامي الكتفين وخفف من عبء الحمل على كتفيه بعض الشيء بأن مال بجبينه للأمام وشد الحزام العريض للحقيبة إلى رأسه. بالرغم من ذلك، كانت لا تزال ثقيلة. كانت ثقيلة للغاية. كان يمسك بحقيبة الصنارة الجلدية في يده ويميل إلى الأمام كي يظل حمل الحقيبة على أعلى كتفيه، وسار على الطريق الموازي لقضبان السكة الحديدية مخلفا وراءه المدينة المحترقة في الحر، ثم انعطف حول تل، على جانبيه تلان عاليان قد شوهتهما النيران، متجها إلى طريق كان يؤدي إلى الريف. سار على الطريق وهو يشعر بالألم من حمل الحقيبة الثقيلة. كان الطريق يتجه إلى أعلى بوتيرة ثابتة. كان صعود التل شاقا. كانت عضلاته تؤلمه وكان اليوم حارا، لكن نك كان سعيدا. شعر بأنه قد ترك كل شيء خلفه؛ الحاجة إلى التفكير، والحاجة إلى الكتابة، واحتياجات أخرى. كلها كانت خلفه.
منذ أن نزل من القطار وألقى عامل الأمتعة حقيبته من باب العربة المفتوح، اختلفت الأمور. كانت سيني محترقة والريف قد احترق وتغير، لكن ذلك لم يكن مهما. لا يمكن أن يكون قد احترق كل شيء. كان يعرف ذلك. راح يسير على الطريق وهو يتعرق في الشمس ويتسلق كي يعبر سلسلة التلال التي كانت تفصل السكة الحديدية عن سهول الصنوبر.
امتد الطريق، منخفضا في بعض الأحيان، لكنه كان صاعدا إلى أعلى على وجه العموم. استمر نك في الصعود. وأخيرا بلغ الطريق قمته بعد أن ظل موازيا لجانب التل المحترق. استند نك بظهره على أرومة وحرر نفسه من أحزمة الحقيبة. أمامه على المسافة التي يستطيع أن يصلها ببصره، كان سهل الصنوبر. انتهى الريف المحترق على اليسار عند سلسلة التلال. وفي الأمام برزت من السهل جزر من أشجار الصنوبر الداكنة. وبعيدا على اليسار كان هناك خط النهر. تبعه نك بعينيه ورأى المياه تومض في الشمس.
لم يكن أمامه سوى سهل الصنوبر، وصولا إلى التلال البعيدة الزرقاء التي كانت تحدد حدود بحيرة سوبيريور. لم يكن يراها إلا بالكاد؛ إذ كانت باهتة وبعيدة للغاية في ضوء الشمس الحارة فوق السهل. إذا ظل ينظر إليها بثبات، كانت تختفي. أما إذا أغلق عينيه بعض الشيء، كان يراها؛ تلك التلال البعيدة التي كانت تحدد حدود البحيرة.
جلس نك مستندا على الأرومة المتفحمة وراح يدخن سيجارة. كانت حقيبته متزنة على قمة الأرومة وكانت أحزمتها مربوطة وقد تشكلت فيها فجوة من ظهر نك. جلس نك يدخن متطلعا ببصره إلى الريف. لم يكن يحتاج إلى إخراج خريطته. كان يعرف موقعه من موقع النهر.
بينما كان يدخن، مادا ساقيه أمامه، رأى جندبا يسير على الأرض ثم على جوربه الصوفي. كان الجندب أسود اللون. بينما كان نك يسير على الطريق، أفزع من التراب العديد من الجنادب. كانت كلها سوداء. لم تكن بالجنادب الكبيرة ذات الأجنحة التي يجتمع فيها اللونان الأصفر والأسود أو الأحمر والأسود والتي تحدث أغمدة أجنحتها السوداء طنينا عند طيرانها. كانت جنادب عادية فحسب، غير أنها كانت جميعها سوداء بلون السخام. جالت بخاطر نك بينما كان يسير، لكنه لم يفكر بشأنها في حقيقة الأمر. والآن، بينما راح يشاهد الجندب الأسود الذي كان يعضض صوف جوربه بشفته الرباعية، أدرك أنها قد تحولت جميعا إلى اللون الأسود من العيش في الأرض المحترقة. أدرك أن الحريق قد حدث في العام السابق بالتأكيد، لكن الجنادب قد أصبحت كلها سوداء اللون الآن. تساءل في نفسه كم من الوقت ستظل على تلك الحال.
مد يده إلى الأسفل بحرص وأمسك بالجندب من جناحيه. قلبه على ظهره حيث أصبحت أرجله تتحرك في الهواء، ونظر إلى بطنه المفصلي. أجل، لقد كانت سوداء اللون هي أيضا، ومتقزحة بينما كان ظهره ورأسه مغبرين بالتراب.
تحدث نك بصوت عال للمرة الأولى قائلا: «هيا أيها الجندب، طر بعيدا.»
Неизвестная страница