فأعادت سؤالها: «متى تريد أن يكون»؟
فحدق فى وجهها - فى عينيها - ثم صاح وقد فطن إلى ما تعنى، وانحنى عليها فرفعها بيديه عن الكرسى غير عابئ بالعمال والزبائن، وأهوى على فمها باللثمات ثم ردها إلى الكرسى، وصاح بأحد رجاله: «اذهب. اذهب. حالا. حالا».
فوقف الرجل كالأبله لا يفهم ولا يدرى أين يريد منه أن يذهب، فصاح به: «هات المأذون.. ألا تعرف المأذون يا أبله؟ اذهب.. حالا..».
فوقفت جليلة وأقبلت عليه تسأله: «ماذا تعنى؟ ماذا تريد أن تصنع»؟
فقال: «ماذا أعنى؟ يا له من سؤال.. نعقد العقد.. هنا.. حالا فى الدكان .. هذا ما أعنى.. رجالى وزبائنى شهودى.. شهود سعادتى.. لقد كان التجار فى الزمن السالف يجيئون برجال يقفون على أبواب الدكاكين ويدعون المارة أن يدخلوا ويزينون لهم البضاعة، وقد انقضى ذلك الزمن وحلت الإعلانات فى الصحف محل هؤلاء المنادين.. ولكنى اليوم سأقف بالباب وأدعو الناس.. كل الناس.. أن يدخلوا، لا ليشتروا، بل ليشاركونى فى سعادتى. لماذا لم يجئ المأذون؟ اذهب أنت وراءه واستعجله».
وفرحت جليلة بهذا الجنون وخجلت أيضا.. أفرحها أن عقله استطير من فرط الجذل، وأخجلها أن كل هؤلاء الناس من العمال والزبائن يرونها وأن عيونهم جميعا عليها، وأنهم جميعا يفحصونها ليعرفوا سر هذا السحر الذى ذهب بلب الرجل الذى ألفوا منه الرزانة والوقار والسكينة والظرف والعقل.. وأرادت أن تستمهله، فأبى.. فاقترحت أن يذهبا بالمأذون إلى البيت، فأبى أيضا، وقال: إن ناسا فى هذا الزمان يتزوجون فى الطيارة.. فماذا يمنع أن نتزوج فى الدكان؟ فقالت: إنه فرق ساعة، والمسافة إلى البيت لا تستغرق زمنا. فأبى أيضا، وقال إنه يخاف عليها أن تطير وتتسرب فى الهواء.. كلا، ولابد أن يكون العقد هنا.
وراقها هذا الجنون وألهب خيالها فرضيت..
وتزوجا فى الدكان!
وقالت له وهما خارجان: «نسيت أن أقول لك إنى وجدت أن الدكان لم يكن خاليا قط.. كان ما فيه مخزونا من أيام الصبى.. فلما أدرت عينى فيه عرفت، ولهذا جئت».
فقبلها على باب الدكان ... ولم يستح الرجل!
Неизвестная страница